والمراد أحوال الذوات مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ) [المائدة : ٣] ، أي أكلها. ونظم التركيب : إن أرادني وأنا متلبس بضرّ منه أو برحمة منه ، قال عمرو بن شاس :
أرادت عرارا بالهوان ومن يرد |
|
عرارا لعمري بالهوان فقد ظلم |
وإنما فرض إرادة الضر وإرادة الرحمة في نفسه دون أن يقول : إن أرادكم ، لأن الكلام موجّه إلى ما خوفوه من ضر أصنامهم إياه.
وقرأ الجمهور (كاشِفاتُ ضُرِّهِ) و (مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) بإضافة الوصفين إلى الاسمين. وقرأ أبو عمرو ويعقوب بتنوين الوصفين ونصب ضره ورحمته وهو اختلاف في لفظ تعلّق الوصف بمعموله والمعنى واحد.
ولمّا ألقمهم الله بهذه الحجة الحجر وقطعهم فلا يحيروا ببنت شفة أمر رسولهصلىاللهعليهوسلم أن يقول : (حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) ، وإنما أعيد الأمر بالقول ولم ينتظم (حَسْبِيَ اللهُ) في جملة الأمر الأول ، لأن هذا المأمور بأن يقوله ليس المقصود توجيهه إلى المشركين فإن فيما سبقه مقنعا من قلة الاكتراث بأصنامهم ، وإنما المقصود أن يكون هذا القول شعار النبي صلىاللهعليهوسلم في جميع شئونه ، وفيه حظ للمؤمنين معه حاصل من قوله: (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) قال تعالى : يا أيها النبي (حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [الأنفال : ٦٤] ، فإعادة فعل (قُلْ) للتنبيه على استقلال هذا الغرض عن الغرض الذي قبله.
والحسب : الكافي. وتقدم في قوله تعالى : (وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) في آل عمران [١٧٣]. وحذف المتعلّق في هذه الجملة لعموم المتعلّقات ، أي حسبي الله من كل شيء وفي كل حال.
والمراد بقوله اعتقاده ، ثم تذكّره ، ثم الإعلان به ، لتعليم المسلمين وإغاظة المشركين.
والتوكل : تفويض أمور المفوّض إلى من يكفيه إياه ، وتقدم في قوله : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) في سورة آل عمران [١٥٩].
وجملة (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) يجوز أن تكون مما أمر بأن يقوله تذكرا من النبيصلىاللهعليهوسلم وتعليما للمسلمين فتكون الجملة تذييلا للتي قبلها لأنها أعمّ منها باعتبار القائلين لأن (حَسْبِيَ اللهُ) يؤول إلى معنى : توكلت على الله ، أي حسبي أنا وحسب كل متوكل ، أي كل مؤمن يعرف الله حق معرفته ويعتمد على كفايته دون غيره ، فتعريف (الْمُتَوَكِّلُونَ)