وقوله : إذا تصافح المؤمنان كان يد الله بين أيديهما أو فوق أيديهما ، أو ينظر الله إليهما بالرّحمة ، فانّ تصافحهما سبب لقوّة ظهور والدهما فيهما وبقدر ظهور الوالد يكون انمحاء الذّنوب من الولد ويظهر من ذلك سرّ الاهتمام بإحسان الوالدين الرّوحانيّين بحيث جعله الله تعالى قرينا بتوحيده حيثما ذكر ففي سورة النّساء (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا ـ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ،) وفي سورة الانعام : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ،) وفي سورة بنى إسرائيل : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً ،) والوالدان الجسمانيّان بمظهريّتهما ومناسبتهما للوالدين الرّوحانيّين وكثرة حقوقهما وشفقتهما على الأولاد وتحمّلهما للزّحمات الشّاقّة مثل الرّوحانيّين في التّعظيم والإشفاق والإحسان ، ويعلم أيضا أنّ الإحسان الى الوالدين الرّوحانيّين إحسان الى نفسه ، وانّ الطّاعات كلّما كانّت أتمّ وأكثر كان الإحسان الى الوالدين أتمّ وأكثر ؛ فانّ الطّاعات إحسان الى ذاته الّتى هي ظهور والده ؛ وكلّما كان سببا لشدّة ظهور الوالد في الولد كان إحسانا الى الوالد لانّه يفيد سعة الوالد بحسب المظاهر.
ويستفاد ممّا ذكر وجه كون النّبي (ص) أولى بالمؤمنين من أنفسهم وكونه (ص) مع علىّ (ع) أبوين لهذه الامّة بحسب مرتبة الصّدر والقلب ، وأمّا بحسب الجسد فانّه ان كان بما هو هو منفصلا عن الغير غير اولى به وغبر أب له فهو بما هو مستنير بنور الصّدر والقلب محكوم بحكمهما واولى بالمؤمنين من أنفسهم وأب لهم ، ولذلك صارت أزواجه اللّاتي هنّ أزواج مرتبة بدنه أمّهاتهم وبتلك الاستنارة والمحكوميّة سرى بجسده الى عالم الأرواح ، وكان يبصر من خلفه كما كان يبصر ببصره ، ولم يكن له ظلّ ، ولو لم يكن هذه المحكوميّة والمغلوبيّة لم يظهر على جسده حكم الرّوح روى عن رسول الله (ص) انّه قال : أفضل والديكم وأحقّهما لشكركم محمّد (ص) وعلىّ (ع) ، وقال علىّ بن أبي طالب (ع) سمعت رسول الله (ص) يقول : انا وعلىّ أبوا هذه الامّة ولحقّنا عليهم أعظم من حقّ أبوى ولادتهم ، فانّا ننقذهم ان أطاعونا من النّار الى دار القرار ، ونلحقهم من العبوديّة بخيار الأحرار ، والإحسان إليهما والى سائر من أمر الله بإحسانهم أمّا بحسن صحابتهم والتّواضع لهم وإظهار الرّحمة عليهم ، أو بالخدمة لهم والسّعى في حاجاتهم وقضائها ودفع الأذى عنهم ، أو بالسؤال عن الله والدّعاء لهم ، أو بحفظهم في عرضهم وعيالاتهم وأموالهم في غيابهم.
(وَذِي الْقُرْبى) اى لهما أو لكم ويظهر ممّا مرّ أنّه لا اختلاف بينهما وانّه لا اختصاص لذي القربى بالمرتبة الجسمانيّة بل يعمّها وغيرها من المراتب الرّوحانيّة ؛ قال رسول الله (ص) من رعى حقّ قرابات أبويه أعطى في الجنّة ألف ألف درجة ، ومن رعى حقّ قربى محمّد (ص) وعلىّ (ع) أوتى من فضائل الدّرجات وزيادة المثوبات على قدر زيادة فضل محمّد (ص) وعلىّ (ع) على أبوى نسبه (وَالْيَتامى) اليتيم الجسمانىّ من فقد أباه ما لم يبلغ مبلغ الرّجال ، واليتيم الرّوحانىّ من فقد أباه الرّوحانىّ ولم يصل اليه سواء مات أو كان حيّا لكن لم يصل اليتيم بعد اليه أو وصل ثمّ انقطع عنه بالغيبة عنه وسواء باع معه وصحّة الابوّة والبنوّة بينه وبينه حتّى صار من ذوي القربى أو لم يبع ولم يصدق النّسبة لكن كان يستعدّ لوقوع النّسبة والبيعة وفي الخبر بعد ذكر اليتيم الجسمانىّ : وأشدّ من يتم هذا اليتيم من يتم (١) عن إمامه لا يقدر على الوصول اليه ولا يدرى كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه ، الا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا فهذا الجاهل بشريعتنا المنقطع عن مشاهدتنا
__________________
(١) ـ يتم كضرب وعلم يتم بالضم وقد يفتح الياء مع تحريك الأوسط كثيرا ومع سكونه قليلا.