يتيم في حجره الا فمن هداه وأرشده وعلّمه شريعتنا كان معنا في الرّفيق الأعلى (وَالْمَساكِينِ) جمع المسكين وزن المفعيل من السّكون عن الحركة وهو مبالغة في السّكون بحيث لم يبق له قوّة الحركة فهو أسوأ حالا من الفقير لانّه المحتاج الّذى يمكنه الحركة في رفع حاجاته أو هو أعمّ من المسكين والمراد مساكين المؤمنين كاليتامى أو أعمّ منهم ؛ ومسكنة الفقر معلومة ، وامّا مسكنة الايمان والعلم فهي عبارة عن سكون رجل النّفس عن السّير في أراضي الآيات والاخبار وسير الأخيار ، وسكون بصرها عن ادراك دقائق الأمور ، ولسانها عن الاحتجاج على أعدائه ، ويدها عن البطش على الأعداء ، ونقل أنّه من واساهم بحواشي ماله وسّع الله عليه جنانه وأناله غفرانه ورضوانه ، ثمّ قال : انّ من محبّى محمّد (ص) مساكين مواساتهم أفضل من مواساة مساكين الفقر ؛ وهم الّذين سكنت جوارحهم وضعفت عن مقابلة أعداء الله الّذين يعيّرونهم بدينهم ويسفّهون أحلامهم ، الا فمن قوّاهم بفقهه وعلمه حتّى أزال مسكنتهم ثمّ سلّطهم على الأعداء الظّاهرين من النواصب وعلى الأعداء الباطنين إبليس ومردته حتّى يهزموهم عن دين الله ويذودوهم عن أولياء آل رسول الله (ص) حوّل الله تلك المسكنة الى شياطينهم وأعجزهم عن إضلالهم وقضى الله بذلك قضاء حقّا على لسان رسول الله (ص) (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) قرئ بالضمّ وبالتّحريك والمعنى واحد فانّ إظهار حسن القول وإظهار القول الحسن واحد والمراد بالنّاس جملة الاناسىّ قريبهم وبعيدهم ويتيمهم ومسكينهم فهو أعمّ مطلقا ممّا تقدّمه ، وبين القريب واليتيم مثل المسكين عموم من وجه وحسن القول أمر اضافىّ يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والمقامات فانّ الصّدق حسن ما لم يكن فيه شين والّا كان قبيحا والكذب حسنا ؛ فما يخاطب به الأطفال حسنه بوجه ان يناسب مقتضياته وبوجه ان يردعه عمّا يضرّه ، وما يخاطب به التّاجر والزّارع وسائر أرباب الحرف حسنه بوجه ان يناسب حرفهم ومذاقهم وبوجه ان يناسب انسانيّتهم لكن في المقام والّشأن الّذى هم فيه ، وما يخاطب به أرباب الصّناعات العلميّة حسنه ان يناسب صناعاتهم ، وهكذا حال أرباب الحكم والمناصب ، وحسن القول مع السّالك المنجذب الّذى يخاف فوت سلوكه ان يخاطب بما يشغله بالسّلوك ، ومع السّالك الواقف ان يخاطب بما يهيّجه الى الانجذاب ، ولو خوطب الأطفال بخطاب العقلاء ، والجهّال بخطاب العلماء ، والحلّاج بخطاب الحدّاد ، أو بالعكس ؛ كان قبيحا ، روى عن الصّادق (ع): قولوا للنّاس حسنا كلّهم مؤمنهم ومخالفهم ، امّا المؤمنون فيبسط لهم وجهه وبشره ، وامّا المخالفون فيكلّمهم بالمداراة لاجتذابهم الى الايمان فان ييأس من ذلك يكّف شرورهم عن نفسه وإخوانه المؤمنين ثمّ قال : انّ مداراة أعداء الله من أفضل صدقة المرء على نفسه وإخوانه ، كان رسول الله (ص) في منزله أذن استأذن عليه عبد الله بن أبيّ بن أبى سلول فقال رسول الله (ص) : بئس أخو العشيرة ائذنوا له فلمّا دخل أجلسه وبشّر في وجهه فلمّا خرج قالت عائشة : يا رسول الله (ص) قلت فيه ما قلت وفعلت فيه من البشر ما فعلت؟! فقال رسول الله (ص) : يا عويش يا حميراء انّ شرّ النّاس عند الله يوم القيامة من يكرم اتّقاء شرّه (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) أخرّ الأمر بإقامة الصّلوة لشدّة الاهتمام بالإحسان مع الخلق أرحاما كانوا أو غير أرحام ، وقد مضى بيان لاقامة الصّلوة وقد فسّر في الخبر اقامة الصّلوة بإتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وأداء حقوقها الّتى إذا لم تؤدّ لم يتقبّلها ربّ الخلائق وقال : أتدرون ما تلك الحقوق؟! هو اتباعها بالصّلوة على محمّد (ص) وعلىّ (ع) وآلهما منطويا على الاعتقاد بأنّهم أفضل خيرة الله والقوّام بحقوق الله ، والنّصار لدين الله تعالى ؛ قال (ع): وأقيموا الصّلوة على محمّد (ص) وآله (ع)