عند أحوال غضبكم ورضاكم وشدّتكم ورخاكم ، وهمومكم المعلّقة بقلوبكم (وَآتُوا الزَّكاةَ) قد مضى بيانه (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) لمّا كان أخذ الميثاق هاهنا مستعقبا للصّفات الانسانيّة قال (أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) الذين هم بنو آدم حقيقة وأتى بقوله : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ) المشعر بصفة النّقص ، وبقوله (إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) المستعقب لقوله (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ) المشعر بعدم الطّاعة والقبول منهم وبقوله الآتي : (إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) المستعقب لقوله (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) المشعر بشانيّة سفك الدّماء بخطاب الحاضرين اشعارا بذمّهم ونقصهم بالنّسبة الى بنى إسرائيل (إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) اى والحال انّ عادتكم الاعراض عن العهد أو هو حال مؤكّدة (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ) اى ميثاق اسلافكم يا بنى إسرائيل على أيدى أنبيائهم وخلفاء أنبيائهم ، أو ميثاق أنفسكم على أيدى المتشبّهين بخلفاء الأنبياء فانّ رسم البيعة لم يكن متروكا بالكلّيّة فيهم ، فعلى هذا فهو تعريض بأمّة محمّد (ص) كما في الاخبار من تفسيره بهم ، أو الخطاب لهم ابتداء ، والمعنى واذكروا يا أمّة محمّد (ص) وقت البيعة مع محمّد (ص) واخذه ميثاقكم (لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ) قد مضى بيان محلّ الجملة الواقعة بعد أخذ الميثاق (وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ) بجعل قتل الغير وإخراجه قتلا وإخراجا لنفس الرّجل لاتّحاده معه في المعاشرة أو القرابة أو الدّين أو الموطن أو لأدائه الى القصاص المفنى لنفس الرّجل والمكافاة المورثة لإخراج الغير له ، أو المعنى لا ترتكبوا فعلا يؤدّى الى قتل أنفسكم وإخراجها من ديارها ، أو المعنى لا ترتكبوا فعلا يؤدّى الى قطع الحيوة الابديّة والإخراج من الدّيار الحقيقيّة الّتى هي الجنّة (مِنْ دِيارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ) بالميثاق (وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ) على أنفسكم بذلك الميثاق وهذا الإقرار (ثُمَّ أَنْتُمْ) يا (هؤُلاءِ) الحمقى على ان يكون هؤلاء منادى وهذا أدلّ على ما هو المقصود من إظهار حمقهم وسفاهتهم ، أو هو منصوب على الاختصاص ، أو هو منصوب بفعل مضمر أعنى أعنى ، أو هو تأكيد لأنتم أو هو خبر أنتم (تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) غضبا عليهم (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) تتعاونون على قتل المقتولين وإخراج المخرجين (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) والحال انّكم مأمورون بالتّظاهر على البرّ والتّقوى ومنهيّون عن التّظاهر على الإثم والعدوان (وَإِنْ يَأْتُوكُمْ) اى المقتولون المخرجون (أُسارى) جمع الأسرى جمع الأسير وقيل هو جمع الأسير ابتداء (تُفادُوهُمْ) يعنى ليس قتلكم وإخراجكم لهم عن غيرة دينيّة وأمر إلهيّ بل عن أهوية نفسانيّة وأغراض فاسدة لأنّه ان كان عن أمر إلهيّ كنتم راضين به سواء كان ذلك منكم أو من غيركم والحال انّه إذا فعل ذلك غيركم وأسروهم تعصّبتم لهم وفديتموهم بأموالكم (وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ) هو ضمير الشّأن أو مبتدء راجع الى إخراجهم المذكور في ضمن تخرجون وإخراجهم بدل منه أو هو مبتدء مبهم مفسّر بإخراجهم (أَفَتُؤْمِنُونَ) تذعنون (بِبَعْضِ الْكِتابِ) ببعض المكتوب عليكم أو ببعض التّوراة أو ببعض القرآن ؛ على ان يكون الخطاب لمنافقى الامّة ، وذلك البعض هو فريضة المفاداة (وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) وهو حرمة القتل والإخراج يعنى انّكم لا تكترثون بالكتاب وتتّبعون أهواءكم فما وافقها منه تتّبعونه