الحقّ ويحسب العلم في الجهل واليقين في الظّنّ حتّى أنّه يحسب ان ليس وراء مظنونه علم وادراك كان التّعرّض لتحقيق العلم وأقسامه وتمييزه عن الجهل وأفنانه من المهمّات فنقول : العلم كالوجود وكذا سائر الصّفات الحقيقيّة الإلهيّة حقيقة مشكّكة ذات مراتب عديدة فمرتبة منه واجب الوجود تعالى شأنه ، ومرتبة منه فعله المسمّى بالمشيّة والحقيقة المحمّديّة (ص) وعلويّة علىّ (ع) ونفس الرّحمن ومقام المعروفيّة وهو الواسطة بين الخلق والحقّ ولذا سمّى بالحقّ المخلوق به ، ومرتبة منه الأقلام العالية بأنواعها ومراتبها ، ومرتبة منه الألواح النّوريّة بمراتبها الكلّيّة والجزئيّة ، ومرتبة منه الألواح العينيّة بسماواتها وسماويّاتها وارضيها وارضيّاتها والعلم في المراتب العالية لظهور الوجود فيها وخفاء المهيّات وانغمار التّعيّنات وانمحاء الكثرات وظهورها بأنفسها وانكشاف غيرها لها وانكشافها لدى غيرها وإدراكها لإدراكها يسمّى علما وعقلا كما يسمّى وجودا ونورا ، وامّا في مراتب المادّيّات وخصوصا الأرضيّات فلخفاء الوجود وغلبة الاعدام والتّعيّنات وغيبتها عن أنفسها وعن غيرها بحقائقها لا يسمّى شعورها الضّعيف الخفىّ علماء فانّ للكلّ شعورا بقدر وجوده ولكن لا شعور له بشعوره كما في قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) يعنى انّ للكلّ تسبيحا وشعورا ولكن لا شعور لهم بتسبيحهم (على قراءة لا يفقهون بالغيبة) وهكذا الحال في ادراك الحيوان مع انّ له إحساسا بالمدارك الظّاهرة وإدراكا بالمدارك الباطنة لعدم شعوره بشعوره ، والسّرّ في ذلك انّ المادّة الاولى فعليّة وجوده عين القوّة وعدم الوجود الشأنىّ فليس لها وجود في نفسها حتّى يكون لها وجود لنفسها ، أو يكون لغيرها وجود لها فلا يكون لها علم بنفسها ولا بغيرها لانّ العلم بالشيء عبارة عن وجود ذلك الشّيء للعالم به وحضوره عنده ، والمادّة الثّانية الّتى هي الامتداد الجسمانىّ والصّور المنطبعة فيها من صور العناصر والجمادات والنّباتات لها فعليّة ما ووجود في أنفسها ووجود لأنفسها لكن فعليّتها مختفية تحت القوّة ووجوداتها في أنفسها عين أعدامها وتكوّناتها نفس تصرّماتها على ما تقرّر عند الصّوفيّة وبعض من قلّدهم من الفلاسفة من الحركات الجوهريّة والتّجدّدات الذّاتيّة وانّ موجودات عالم الطّبع بتمامها موادّها وصورها وأوصافها وأعراضها من قبل أنفسها في الفناء والعدم ومن قبل موجدها في البقاء والوجود ، ووجوداتها لأنفسها بعينها أعدامها وغيبوبتها عن أنفسها ، على انّ الامتداد الجسمانىّ كلّ جزء من أجزائه الغير المتناهية المفروضة في الغيبة عمّا سواه وعن الكلّ والكلّ في الغيبة عن الاجزاء ، وما كان كذلك لم يكن له حضور عند غيره ولا لغيره حضور عنده ، فلم يكن عالما بنفسه ولا بغيره ولا معلوما لغيره الّا لمن كان الامتداد الجسمانىّ متقوّما به ومتبدّلا غيبته بالحضور وتجدّده بالثّبات عنده ، وغير الإنسان من الحيوان لتجرّد نفسه الحيوانيّة عن المادّة تجرّدا ما كان له وجود في نفسه ولنفسه فكان عالما ومعلوما لنفسه وكان لغيره أيضا وجود ما له بصورته المجرّدة عن المادّة تجرّدا مثل تجرّد النّفس الحيوانيّة فكان عالما بغيره أيضا لكن لمّا كان علمه وإدراكه مجرّدا عن الشّعور بالشّعور وعن الاشتداد لا يسمّى علما بل إحساسا وإدراكا ، والإنسان من اوّل انفصال مادّته واستقرارها في مقرّها حاله حال الجماد البرزخ بين الجماد والنّبات ، وبعد ذلك يصير نباتا ، وبعد ذلك يصير حيوانا كالخراطين له قوّة ضعيفة للحركة الخفيفة وادراك ضعيف باللّامسة ، فاذا تولّد صار حيوانا كاملا بحسب المدارك الظّاهرة لكن مداركه الباطنة الحيوانيّة بعد في ضعف حتّى بلغ الى عامين أو ثلاثة فيصير حينئذ حيوانا كاملا في مداركه الظّاهرة والباطنة ، ولا فرق بينه وبين الأجناس الثلاثة في تلك المراتب الّا انّه واقع في طريق الإنسان غير واقف على شيء من المراتب الثلاث ووجوده لا بشرط شيء بخلافها فانّها واقفة في مقاماتها غير مستعدّة للتّجاوز عنها لكن شعوره البسيط في المراتب كشعورها لا يسمّى علما وان كان في الاشتداد ؛ لما عرفت انّ الجماد والنّبات