وإذا أراد الباني اختبار نفسه فلينظر هل ترضى بإعطاء ثمن البقعة وأجرة بنائها لرجل غير معروف وبان يأمره ان يبنى المسجد من غير اطّلاع أحد على ذلك فان ترض وتسّر بذلك فالبناء لله والّا فللنّفس أو بمشاركتها (وَسَعى فِي خَرابِها) اى خراب سقوفها وجدرانها أو منع أهلها عن الرّجوع إليها وخرابها بتعطيلها عن ذكر الله وإقام الصّلوة ونزول الآية في مشركي مكّة ومنع المسلمين بعد هجرة النّبىّ (ص) عن دخول مساجدهم ، وتخريب مساجدهم لا ينافي عمومها وعموم المساجد والمانعين والممنوعين وعموم تخريبها (أُولئِكَ) المحضرون بالأوصاف المذمومة الاذلّون (ما كانَ) ينبغي (لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) خاشعين متذلّلين أو خائفين من المؤمنين فضلا عن أن يجترءوا على تخريبها أو منع المؤمنين عنها أو ما كان في علم الله ان يدخلوها بعد الّا خائفين ؛ وحينئذ يكون وعدا للمؤمنين بغلبتهم واخافتهم المشركين كما فعل بهم يوم فتح مكّة وسيقع ذلك حين ظهور القائم عجّل الله فرجه (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) قتل ونهب وأسر واجلاء وجزية (وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) عطف على قوله ومن أظلم باعتبار المعنى فانّ المقصود افادة انّ المشركين أو مطلق الكفّار منعوا مساجد الله فكأنّه قال هم منعوا مساجد الله وما هم بضارّين بذلك المؤمنين فانّ لله المشرق والمغرب اى وجه الأرض كلّها (فَأَيْنَما تُوَلُّوا) ايّها المؤمنون اي في اىّ بقعة من بقاع الأرض تولّوا اليه (فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) لا اختصاص له ببقعة دون بقعة والوجه كما مضى ما به ظهور الشّيء وما به توجّهه واستقباله وذات الشّيء.
اعلم انّ الحقّ الاوّل تعالى بحسب مقام ذاته الغيبيّة غيب مطلق ومجهول مطلق لا اسم له ولا رسم ولا خبر عنه ولا اثر لكنّه بحسب مقام ظهوره وفعله لا خبر عن شيء الّا وهو خبر عنه ، ولا اسم ولا رسم لشيء الّا وهو اسم ورسم له ، ولا ظهور لشيء الّا وهو ظهوره فهو بفعله محيط بكلّ الأشياء كما قال تعالى : وهو (بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ) و (هُوَ مَعَكُمْ) و (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وكما قال (ع): داخل في الأشياء لا كدخول شيء في شيء بل كدخول المقوّم في المتقوّم فلا اختصاص لبقعة دون بقعة بالعبادة والتوجّه الى المعبود في نفسها لكن قد يعرض لبعض امتياز عن الاخرى بأمور خارجة مثل توجّه كامل الى بعض دون بعض أو توطنّه أو تولّده أو تعميره أو دفنه ومثل نيّة صادقة تبرزها وتميزها للعبادة فانّ بيت المقدّس امتاز واختصّ بالعبادة وبالتوجّه اليه في العبادة بكلّ هذه الوجوه ؛ وهكذا مكّة ، واختصاص المساجد انّما هو بالنيّة الصّادقة (إِنَّ اللهَ واسِعٌ) لا يخلو منه مكان ومقام شيء وفيء كما عرفت (عَلِيمٌ) فيعلم منكم ما تفعلونه كيف تفعلونه وفي اىّ مكان تفعلونه فعليكم بتصحيح الأعمال لا تعيين المحلّ والجهة لها وفي الاخبار انّها نزلت في الصّلوة النّافلة تصلّيها حيث توجّهت وامّا الفرائض فنزل فيها قوله تعالى (وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) وسئل الصّادق (ع) عن رجل يقوم في الصّلوة ثمّ ينظر بعد ما فرغ فيرى انّه قد انحرف عن القبلة يمينا وشمالا فقال : قد مضت صلوته وما بين المشرق والمغرب قبلة ، ونزلت هذه الآية في قبلة المتحيّر : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ؛) الآية. وفيحديث الجاثليق الّذى سأل عن وجه الرّبّ انّه دعا علىّ (ع) بنار وحطب فأضرمه فلمّا اشتعلت قال علىّ (ع) : اين وجه هذه النّار؟ ـ قال النّصرانىّ : هي وجه من جميع حدودها ، قال علىّ (ع) : هذه النّار مدبّرة مصنوعة لا يعرف وجهها وخالقها لا يشبهها ، (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) لا تخفى على ربّنا خافية