شيئا من قوله على شيء من قول الآخر مثل ان يقال : سأكرمك فيقول المخاطب : وزيدا ، أو عطفا على جملة (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) بتقدير واجعل من ذرّيّتى ، واعتبار معنى الإنشاء : في انّى جاعلك كأنّه قال : لا جعلك ، للنّاس إماما ، قال : واجعل من ذرّيّتى ، ولفظ قال في المراتب الثلاث جواب لسؤال مقدرّ ويجوز ان يكون إذ ابتلى ظرفا متعلّقا بقال الاوّل لا مفعولا لمقدّر والذرّيّة مثلّثة الذّال وقرء بالضمّ والكسر نسل الرّجل فعيلّة أو فعولّة من الذّر بمعنى التّفريق وأصله ذريرة أو ذروة قلبت الرّاء الاخيرة ياء جوازا مثل أحسيت في أحسست ثمّ تصرّف فيه بحسب اقضاء الصّرف أو من الذّرأ بمعنى الخلق أو بمعنى التّكثير وأصله ذريئة أو ذروئة فتصرّف فيه على حسب اقتضاء الصرّف (قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) اجابة لمسؤله وتعيين للمعطي والمحروم وتنبيه له على أنّ من ذرّيّته من يكون ظالما ، وعلى انّ المتّصف بالظّلم لا يصلح للامامة ، وابطال لامامة كلّ ظالم الى يوم القيامة ، وقد اعترف بعض مفسّرى العامّة بأنّ الآية تدلّ على عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعث وانّ الفاسق لا يصلح للامامة ، والعهد الوصيّة والتّقدّم الى المرء في شيء والموثق والكتاب الّذى يكتب للولاة مشتملا على ما ينبغي ان يعملوا بالنّسبة الى الرّعيّة مأخوذ من الوصيّة والحفاظ ورعاية الحرمة والامان ، والمراد بالعهد المذكور الامامة السّابقة فانّ الاضافة للعهد ويناسبها كلّ من المعاني المذكورة ، ومضى بيان للظلم وقد ورد في الأخبار أنّ محمّدا (ص) والائمّة (ع) هم المقصودون بدعوة إبراهيم (ع) (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ) الكعبة فانّ اللّام للعهد الخارجىّ أو القلب فانّه المعهود بين المتخاطبين المنظور اليه لهما والمتراجع اليه ومحلّ الجزاء له (ص) وللخلق حقيقة ، والكعبة لمّا كانت صورته جعلت بالمواضعة متراجعا إليها ومحلّا لجزاء الرّاجع إليها (مَثابَةً) محلّ ثواب وجزاء ومحلّ رجوع (لِلنَّاسِ وَأَمْناً) لا يصطاد صيدها ولا يعنف الجاني المستجير بها ، والبلد الطيّب ، والحرم بحسب التّأويل صورة النّفس المطمئنّة والصّدر المنشرح ، ويسرى حكم البيت الى المسجد والحرم بمجاورتهما له ، وهكذا حال النّفس والصّدر وسيأتى تحقيق البيت ومظهريّته للقلب والمناسبة بين مناسك الكعبة ومناسك القلب (وَاتَّخِذُوا) عطف على جعلنا بتقدير قلنا أو عطف على عامل إذا ومعترضة معطوفة على مقدّر كأنّه قيل بعد ما قال جعلنا البيت مثابة وأمنا فما نصنع؟ ـ قال : ارجوا اليه واتّخذوا (مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ) هو الحجر الّذى عليه أثر قدم إبراهيم (ع) (مُصَلًّى) محلّا للدّعاء أو للصّلوة الّتى هي فريضة الحجّ ، أو للصّلوة النّافلة ؛ روى عن الباقر (ع) أنّه قال (ع): ما فرية أهل الشّام على الله تعالى يزعمون انّ الله تبارك وتعالى حيث صعد الى السّماء وضع قدمه على صخرة بيت المقدّس ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه على صخرة فأمرنا الله ان نتّخذه مصلّى ، وروى أنّه نزلت ثلاثة أحجار من الجنّة ، مقام إبراهيم (ع) ، وحجر بنى إسرائيل ، والحجر الأسود (وَعَهِدْنا) أوصينا (إِلى إِبْراهِيمَ) عليهالسلام (وَإِسْماعِيلَ) عليهالسلام (أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) ولعلّك تفطّنت بتعميم البيت والتّطهير والطّائف والعاكف والرّاكع والسّاجد وروى عن الصّادق (ع) انّ المعنى نحيّا عنه المشركين وروى أنّه سئل يغتسلن النّساء إذا أتين البيت؟ ـ قال : نعم انّ الله يقول : (طَهِّرا بَيْتِيَ) ؛ الآية ، فينبغي للعبد ان لا يدخل الّا وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذى وتطهّر (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا) البلد الّذى هو مكّة أو هذا الصّدر الّذى صار مكّة مظهرا له على ما سبق الاشارة اليه (بَلَداً آمِناً) من تغلّب المتغلّبين بمحض الارادة