ومن اقتصاص الجاني الملتجئ اليه ومن اصطياد صيده بالمواضعة التّكليفيّة ومن شرّ الشّياطين من الانس والجنّ ومن استراق السّمع بحافظيّتك إذا أريد البلد الّذى هو الصّدر المنشرح (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) أهل بلد مكّة من ثمرات الدّنيا كما نقل انّه يوجد فيه ثمرات الصّيف والشّتاء في وقت واحد. وروى انّ إبراهيم لمّا دعا بهذا الدّعاء أمر الله تعالى بقطعة من الأردن (١) فسارت بثمارها حتّى طافت بالبيت ثمّ أمرها ان تنصرف الى هذا الموضع الّذى سمّى بالطّائف ولذلك سمّى طائفا. وعن الباقر (ع) انّ الثّمرات تحمل إليهم من الآفاق وقد استجاب الله له حتّى لا توجد في بلاد المشرق والمغرب ثمرة لا توجد فيها حتّى حكى انّه يوجد فيها في يوم واحد فواكه ربيعيّة وصيفيّة وخريفيّة وشتائيّة وعن الصّادق (ع) يعنى من ثمرات القلوب اى حبّهم الى النّاس ليأتوا إليهم ويعودوا ، وهذا بيان لتأويل الثّمرات وعلى تأويل البلد فالمعنى وارزق أهله من ثمرات العلوم ومن ثمرات القلوب وثمرات القلوب ان تتولّاهم وتقبّل ولايتهم (مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) بدل من أهله نسب الى السجّاد (ع) أنّه قال : انّ المقصود منهم الائمّة من آل محمّد (ص) وشيعتهم (قالَ وَمَنْ كَفَرَ) عطف على من آمن على ان يكون البدل بدل الكلّ من الكلّ بدلا تفصيليّا يكون تتميمة من الله ويكون قوله تعالى : (فَأُمَتِّعُهُ) اوّل كلام من الله ، أو من كفر ابتداء كلام من الله معطوف على مقدّر جواب لمسؤل إبراهيم (ع) كأنّه تعالى قال اجابة لمسؤله من آمن أرزقه ومن كفر فانا أمتّعه ؛ على ان يكون من شرطيّة ودخول الفاء في المضارع المثبت مع عدم جوازه بتقدير أنا ، ورفعه لكون الشّرط ماضيا ، أو من موصولة ودخول الفاء في الخبر لتضمّن المبتدأ معنى الشّرط ، وترتّب التّمتيع على الكفر باعتبار التّقييد بالقلّة وتعقيب الاضطرار الى العذاب (قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) نسب الى السجّاد (ع) انّه قال : عنى بذلك من جحد وصيّه ولم يتّبعه من أمّته كذلك والله هذه الأمّة (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) قائلين (رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا) بناء البيت بأمرك طلبا لرضاك (إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لدعائنا (الْعَلِيمُ) بأعمالنا ونيّاتنا ، عن الصّادق (ع) انّ إسماعيل (ع) لمّا بلغ مبلغ الرّجال أمر الله إبراهيم (ع) ان يبنى البيت فقال : يا ربّ في أىّ بقعة؟ ـ قال : في البقعة الّتى أنزلت بها على آدم ، القبّة ، فأضاء لها الحرم فلم يدر إبراهيم (ع) في اىّ موضع يبنيه فانّ القبّة الّتى أنزلها الله على آدم كانت قائمة الى ايّام الطّوفان فلمّا غرقت الدّنيا رفع الله تلك القبّة وبقي موضعها لم يغرق ولهذا سمّى البيت العتيق لأنّه أعتق عن الغرق ، فبعث الله جبرئيل (ع) فخطّ له موضع البيت فأنزل الله عليه القواعد من الجنّة وكان الحجر لمّا أنزله الله على آدم (ع) أشدّ بياضا من الثّلج فلمّا مسّته أيدى الكفّار اسودّ ، فبنى إبراهيم (ع) البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى (٢) فرفعه في السّماء تسعة أذرع ثمّ دلّه على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم (ع) ووضعه في الموضع الّذى هو فيه الآن فلمّا بنى جعل له بابين ، بابا الى المشرق وبابا الى المغرب يسمّى المستجار ثمّ القى عليه الشّجر والإذخر (٣) وعلّقت هاجر على بابه كساء كان معها ، وكانوا يكتسون تحته. وفي خبر انّه قال (ع): يا بنىّ قد أمرنا الله ببناء الكعبة وكشفا عنها
__________________
(١) الاردن ، بضم الالف والدال وشدّ النون كورة من الشام.
(٢) ذو طوى ، بتثليت الطاء وقد ينون موضع قرب مكة.
(٣) الإذخر ، الحشيش الأخضر ونبات طيّب الرائحة.