فاذا هو حجر واحد أحمر فأوحى الله اليه ضع بنائها عليه وأنزل الله اربعة أملاك يجمعون اليه الحجارة فكان إبراهيم (ع) وإسماعيل (ع) يضعان الحجارة والملائكة تناولهما حتّى تمّت اثنى عشر ذراعا وهيّئا له بابين. وفي حديث فنادى ابو قبيس إبراهيم (ع) انّ لك عندي وديعة فأعطاه الحجر فوضعه موضعه. وفي خبر آخر : كان البيت درّة بيضاء فرفعه الله الى السّماء وبقي أسّه فهو بحيال هذا البيت يدخله كلّ يوم سبعون الف ملك لا يرجعون اليه أبدا ، وفي خبر انّ إسماعيل (ع) اوّل من شقّ لسانه بالعربيّة (رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ) من أسلم بمعنى انقاد أو من أسلم بمعنى أخلص يعنى صار ذا سلامة من آفات النّفس وشرورها ، وامّا أسلم بمعنى صار مسلما وداخلا في ملّة الإسلام فانّه من المشتقّات الجعليّة المأخوذة بعد اشتهار ملّة الإسلام (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا) الجسمانيّة والرّوحانيّة أو الجسمانيّة فقط فانّهم أولى بالشّفقة ومن للتّبعيض وهو مع قوله تعالى (أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) عطف على مفعولي اجعل أو من للبيان وأمّة ومسلمة عطف على مفعولي اجعل ومن ذرّيّتنا حال عن الامّة أو مسلمة صفة أمّة ولك في مقام المفعول الثّانى ومن ذرّيّتنا حال عمّا بعده. وفي بعض الأخبار انّ المراد أهل البيت الّذين أذهب الله عنهم الرّجس وفي رواية أراد بنى هاشم خاصّة (وَأَرِنا) أعلمنا (مَناسِكَنا) محالّ أعمالنا للحجّ أو محالّ عباداتنا على ان يكون جمع المنسك اسم المكان ، أو عباداتنا على ان يكون جمع المنسك مصدرا ميميّا والنّسك بتثليث النّون وإسكان السّين أو بضمّتين العبادة أو اعمال الحجّ مخصوصا (وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) قد مضى بيان لتوبة العبد وتوبة الرّبّ عند قوله تعالى : (إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) هذا يدلّ على انّ المراد من الذرّيّة من بعث فيهم محمّد (ص) ولذلك قال (ص) على ما نسب اليه (ص) انا دعوة أبى إبراهيم (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) يقرأ عليهم آياتك التّدوينيّة (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ) قد مضى بيان للكتاب والحكمة وانّ المراد بالكتاب أحكام الرّسالة والنّبوّة من العقائد الدّينيّة وعلم الأخلاق النّفسيّة وعلم الأعمال البدنيّة ، وانّ الحكمة قد تستعمل في كمال القوّة النّظريّة ، وقد تستعمل في كمال القوّة العمليّة ، والمراد بها هاهنا كمال القوّة العمّالة والمعنى يعلّمهم العلوم الّتى ينبغي تعلّمها والأعمال الدّقيقة المتقنة الّتى لا تتعلّم الّا بكثرة المواظبة والممارسة عليها (وَيُزَكِّيهِمْ) بعد تعليم المسائل وتعليم إتقان العمل لسهولة التّزكية ، وهذا يدلّ على انّ السّالك ينبغي ان يكون تحت ارادة الشّيخ بلغ ما بلغ في العلم والعمل ؛ وهو كذلك فانّ الخلاص من الرّذائل وآفات النّفس والشّيطان لا يكون الّا بامداد الشّيخ واعانته لانّ الإنسان العليل كلّما أزال علّة من نفسه ازداد علّة أخرى في نفسه ، وكلّما ظنّه مقوّيا لصحّته صار سببا لزيادة مرضه أو لحدوثه ، وسيأتى عند قوله تعالى (يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِنا وَيُزَكِّيكُمْ) بيان للتزكية ولتقديم التّعليم هاهنا وتأخيره هناك (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ) الّذى لا يمنعك مانع عمّا تريد (الْحَكِيمُ) العالم بدقائق المعلومات القادر على دقائق المصنوعات ، وكأنّه إقرار بعجزه عن درك مصالح مسئوله وتعليق للسّؤال على اقتضاء حكمة كأنّه قال : وابعث فيهم رسولا كذا ان اقتضته حكمتك ؛ وهذا غاية الأدب في السّؤال (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ) استبعاد وانكار (إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) سفه نفسه بالحركات الثّلاث في عين سفه يعنى حملها على السّفاهة ونصب نفسه على ضمّ الفاء وفتحه للتّشبيه بالمفعول كما في الحسن الوجه