وبدونه لا يحلّ شيء منهما فذكر الله حقيقة الطاعات وغايتها ومصحّح العبادات ومحللّ الأشياء ومبيح الأفعال ، وغاية الذّكر ظهور المذكور في ملك الذّاكر وفناء الذّاكر بحيث لا يبقى منه ذات وأثر وذكر ويبقى المذكور في ملك الذّاكر قائلا : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ؟) ـ مجيبا : (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).
وللذّكر بحسب القرب والبعد من تلك الغاية مراتب وأمّهاتها اربع ولكلّ منها مراتب ودرجات :
واولى المراتب الأربع الذّكر اللّسانىّ وهو اجراء المذكور بأسمائه وأوصافه على اللّسان ومراتب هذا الذّكر إذا لم يكن غلافا للشّيطان بحسب غفلة الذّاكر عن المذكور وتذكّره له بدرجات التّذكّر وحضور المذكور في قلب الذّاكر وحضور الذّاكر عند المذكور باستيلاء المذكور عليه بحيث يكون المذكور أصلا والذّاكر تابعا ، وبحسب اتّحاده مع المذكور وفنائه التّامّ فيه وبقاء المذكور وحده وبقاء الذّاكر بعد الفناء ببقاء المذكور ، وكذا بحسب اقترانه بالذّكر القلبىّ كثيرة ، ودرجات كلّ مرتبة منها أيضا كثيرة.
وثانيتها الذّكر القلبىّ الّذى هو مصطلح الصوفيّة ويسمّونه بالذّكر الخفىّ ويسمّون الذّكر اللّسانىّ بالذّكر الجلىّ وله أيضا مراتب ودرجات بحسب اقترانه بالذكر اللّسانىّ وعدمه ، وتذكّر الذّاكر للمذكور وعدمه ، وبحسب الحضور والاتّحاد والفناء في المذكور والبقاء بعد الفناء وعدمه.
وثالثتها الذّكر النّفسىّ وهو تذكّر المذكور في النّفس وهو أيضا له مراتب ودرجات بحسب الاقترانات المذكورة وعدمها.
ورابعتها تذكّر المذكور عند كلّ فعل ونعمة بتذكّر أمره ونهيه وشكره وله أيضا مراتب ودرجات. والذكر اللّسانىّ والقلبىّ لمّا كانا من العبادات والعبادات لا بدّ من أخذها من صاحب الاجازة الشّرعية إذا لم يكن العابد مجازا والّا لم تكن مقبولة وافقت أم خالفت كما تقرّر في الفقه إذا لم يؤخذا من صاحب الاجازة لم يكن لهما اثر بل نقول : انّ الشّيطان قد يترصّد العابد والذّاكر الغير الآخذ من صاحب الاجازة فيخلى الأسماء الإلهيّة الجارية على لسانه من معناها ويجعل نفسه فيها فيصير الذّاكر ذاكرا للشّيطان وهو يحسب أنّه ذاكر لله ويلوى لسانه بألفاظ يظنّها أسماء لله وما هي بأسماء لله بل هي أسماء للشّيطان فيطرد بالذّكر من باب الرّحمن وهو يحسب انّه يحسن صنعا ، فالّذى ينبغي للعابد الاهتمام بتصحيح تقليده اوّلا ثمّ الإقبال على العبادة به وامّا الاحتياط فشروط صحّة العمل به كثيرة ، وسببيّة ذكر العبد لله لذكر الله للعبد كما يستفاد من الآية ومن الاخبار القدسيّة وغيرها مع أنّه ما لم يذكر الله العبد لا يذكر العبد الله انّما هي باعتبار مرتبة من ذكر الله للعبد نظير ما مضى في توّابيّة تعالى فانّ ذكره تعالى للعبد بالتّوفيق سبب لذكر العبد لله ، وذكر العبد لله سبب لذكر الله له بالجزاء ، وذكر الله له بالجزاء سبب لاشتداد ذكره لله ، واشتداد ذكره لله سبب لذكر آخر من الله ، وهكذا ، وذكر العبد لله متقوّم بذكر الله للعبد فهو ذكر من الله للعبد لكن في مقام العبد وقد ذكر في الاخبار وفي كلمات الأبرار تفاضل في الاذكار الخفيّة والجليّة فليعلم انّ التفاضل قد يعتبر بحسب اضافة الاذكار الى الأشخاص المختلفة والأحوال المختلفة لشخص واحد ، وقد يعتبر بينها بحسب اعتبارها في أنفسها فقد يكون الذّكر الفاضل في نفسه غير فاضل بالنسبة الى شخص ولمّا كان بناء الدّين وبناء السّلوك على التّبرّى والتولّى كان الذّكر المشتمل على النّفى والإثبات أفضل من غيره في نفسه ، وأفضل الاذكار المشتملة على النّفى والإيجاب : لا اله الا الله ؛ فانّه جامع للنّفى والإثبات وحافظ لجميع مراتب الوجود مع نفى الاستقلال عنها وإثبات للواحد الأحد بجميع صفاته وليس هذا الّا شأن النّبىّ الّذى هو خاتم الكلّ كما قال (ص): أوتيت جوامع الكلم ؛ ونقل انّ لا اله الّا الله خاصّة بهذه الامّة (وَاشْكُرُوا لِي)