الشّكر ملاحظة انعام المنعم في النّعمة وملاحظة حقّ المنعم في الانعام ، ولذا فسّر بتعظيم المنعم لأجل الانعام ويلزم ملاحظة حقّ المنعم في الانعام وفي النّعمة صرف النّعمة لما أنعمها لأجله ، ولهذا قد يفسّر بصرف النّعمة فيما خلقت لأجله (وَلا تَكْفُرُونِ) المراد بالكفر هاهنا كفر النّعم وهو ستر الانعام وحقّ المنعم في النّعمة ، وايراث الشّكر ازدياد النّعم وإيجاب الكفر زوالها ممّا كثرت به الآيات والاخبار والحكايات والأمثال فليداوم العاقل الشّكر وليحذر الكفران (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) تشريف للمؤمنين بالخطاب لهم بعد إظهار الامتنان عليهم بنعمة الرّسول واستتباعه للنّعم الجليلة (اسْتَعِينُوا) في ذكرى وشكري أو في جملة ما ذكر من ترك القبلة المعتادة والانصراف الى غير المعتادة والثّبات على الحقّ واستباق الخيرات وعدم الخشية من النّاس والخشية من الله والاهتداء والذّكر والشّكر ، أو في جملة ما يهمّكم من معاشكم ومعادكم وجملة ما يحزنكم ويجزعكم (بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) وقد مضى بيان للآية عند قوله : (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ ؛) الآية (إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) معيّة رحيميّة خاصّة بخواصّ المؤمنين لا معيّة رحمانيّة قيّوميّة حاصلة لكلّ موجود ولا معيّة رحيميّة عامّة لكلّ مؤمن بايع ولىّ أمره ولكلّ مسلم بايع نبىّ وقته فانّ الإنسان كلّما ازداد قربه من الله حصل لله معه معيّة أخرى غير معيّته الاولى وما قيل في الفارسيّة :
بيزارم از آن كهنه خدائى كه تو داري |
|
هر روز مرا تازه خداى دگر استى |
اشارة الى تجدّد معيّته وتعدّدها وليس المراد تجدّد الآلهة روى عن الصّادق (ع) انّه قال في كلام له : فمن صبر كرها ولم يشك الى الخلق ولم يجزع بهتك ستره فهو من العامّ ؛ ونصيبه ما قال الله تعالى : وبشّر الصّابرين اى بالجنّة ، ومن استقبل البلايا بالرّحب وصبر على سكينة ووقار فهو من الخاصّ ؛ ونصيبه ما قال الله تعالى : انّ الله مع الصّابرين (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ) كلّ عمل ينتهى به الإنسان الى الله تعالى فهو سبيل الله ، وكلّما ينتهى به الى الشّيطان فهو سبيل الشّيطان وسبيل الشّيطان سبيل الله بوجه وبحسب التّنزيل فالمراد بالظّرف ظرفيّة مجازيّة أو ظرفيّة حقيقيّة بتقدير مضاف اى في زمان سبيل الله أو مكانه ؛ نقل أنّ الآية نزلت في شهداء بدر وكانوا اربعة عشر ؛ ستّة من المهاجرين وثمانية من الأنصار وكانوا يقولون : مات فلان وفلان فأنزل الله الآية وبحسب التّأويل فالسبيل الى الله هو الولاية وطريق القلب والمعنى على هذا : ولا تقولوا لمن يقتل عن الحيوة الحيوانيّة حالكونه في سبيل الله أو لا تقولوا لمن يقتل عن الانانيّة والحيوة الشّيطانيّة في سبيل الله على ان يكون ظرفا لهذا القتل (أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ) لانّ حيوتهم حيوة أخرويّة وشعوركم شعور دنيوىّ ولا سنخيّة بين المدارك الدّنيويّة والمدركات الاخرويّة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ) لنختبرنّكم أو لنصيبنّكم (بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) نسب الى علىّ (ع) انّه قال : انّ الله يبتلى عباده عند الأعمال السّيّئة بنقص من الثّمرات وحبس البركات وإغلاق خزائن الخيرات ليتوب تائب ويقلع مقلع ويتذكّر متذكرّ ويزدجر مزدجر. وعن الصّادق (ع) انّ هذه علامة قيام القائم (ع) تكون من الله تعالى عزوجل للمؤمنين قال بشيء من الخوف من ملوك بنى أميّة في آخر سلطانهم والجوع بغلاء أسعارهم ونقص من الأموال فساد التّجارات وقلّة الفضل ، ونقص من الأنفس الموت الذّريع ونقص من الثّمرات بقلّة ريع ما يزرع ، وبشّر الصّابرين عند ذلك بتعجيل خروج القائم (ع) ثمّ قال : هذا تأويل