قال الله تعالى : وما يعلم تأويله الّا الله والرّاسخون في العلم (الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ) بشيء يؤذيه وأقلّه ان شاكته الشوكة خرجوا من انانيّتهم واستسلموا لخالقهم و (قالُوا) بلسان أبدانهم وأحوالهم (إِنَّا لِلَّهِ) مبدء وملكا (وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ) في المنتهى والاخبار في فضل الصّبر على المصيبة والاسترجاع عندها كثيرة جدّا ، ولمّا كان المصائب الواردة على الإنسان لا مداخلة لنفسه واختياره فيها حتّى يجعل مآربه النّفسانيّة غاية لها كان أنموذج أجرها مشهودا له من كسر انانيّته وكبريائه والتضرّع الى ربّه والالتجاء اليه والقرب منه بخلاف العبادات الّتي يعملها الإنسان باختياره وينظر فيها الى أغراض نفسه فانّه لا يجد فيها أجرا وقربا ولذّة. (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) جمع الصّلوة بمعنى الثّناء من الله والتشريف والتعظيم منه يعنى تشريفات وتفضيلات وهذا لظاهره وأجر قبوله الرّسالة (وَرَحْمَةٌ) وهذا لباطنه وأجر قبول الولاية (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) الى ما ينبغي ان يهتدى اليه أو الى تسهيل المصيبة بالتّسليم لأمر الله (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) ابتداء كلام منقطع بظاهره عن سابقه لبيان حكم من الأحكام التّكليفيّة ولذا قطعه من سابقه ، والصّفا والمروة جبلان بمكّة يسعى بينهما نحو الهرولة وهو من مناسك الحجّ ، والصّفا الحجر الأملس يذكّر ويؤنّث ويستعمل في المفرد وفي الجمع ، والمرو الحجارة البيض البرّاقة أو أصلب الحجارة ، وفي الخبر انّما سمّى الصفا صفا لأنّ آدم المصطفى هبط عليه فقطع للجبل اسم من اسم آدم (ع) وهبطت حوّاء على المروة فسميّت مروة لانّ المرأة هبطت عليها فقطع للجبل اسم من اسم المرأة ؛ وهذا يناسب التّأويل فانّ الصّفا كما سيجيء في تفسير : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ ؛) في سورة آل عمران الجهة العليا من النّفس ، والمروة الجهة السّفلى منها الّتى تلى الحيوانيّة والطبّع وهما باعتبار مهبط لآدم (ع) وحوّاء وباعتبار متّحدتان معهما ولهذا الاتّحاد أخذ اسم لهما من اسمهما ، وباعتبار هذا التّأويل يرتبط الآية بسابقها ، والسّعى في المسعى كناية عن لزوم تردّد الإنسان مضطربا بين صفا النّفس الانسانيّة ومروة النّفس الحيوانيّة فانّه بالتردّد بينهما وقضاء وطر قواهما يبقى الإنسان في هذا البنيان وبذلك البقاء يستكمل في ذاته وصفاته واتباعه ، وبهذا الاستكمال يستحقّ الحضور عند الرّحمن والخلّة والامامة فكما انّ الصّفا والمروة والسّعى بينهما من مناسك حجّ البيت المبنىّ من الأحجار كذلك الصّفا والمروة النّفسانيّتان والتّردّد بنحو الاضطراب بينهما لاصلاح حال أهلهما وقضاء وطرهم (مِنْ شَعائِرِ اللهِ) الشّعائر جمع الشّعار بكسر الشين بمعنى العلامة ، أو جمع الشّعار بالكسر والفتح بمعنى الثّوب الملزق بالبدن ؛ أو جمع شعار الحجّ بالكسر بمعنى مناسكه ، أو جمع الشّعيرة بمعنى معظم المناسك الّتى ندب الله إليها (فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ) الحجّ القصد والكفّ والقدوم والتردّد وقصد مكّة للنّسك ، وفي الشّرع اسم للنّسك المخصوصة المقرّرة الّتى هي في مقابل العمرة ويناسبه كلّ من معانيه اللّغويّة ، والعمرة الزّيارة وفي الشّرع اسم للمناسك المخصوصة الّتي هي في مقابل الحجّ (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) قيل كان على الصّفا والمروة صنمان لقريش كانوا في الجاهليّة إذا سعوا بينهما مسحوا الصّنمين فلمّا جاء المسلمون وكسر الأصنام تحرّج المسلمون ان يطّوّفوا بهما لذلك فنزلت الآية ولا دلالة للآية على نفى الوجوب فانّها تفيد الجواز والجواز أعمّ من الوجوب ويستفاد الوجوب من الاخبار فالتّمسّك بالآية على نفى الوجوب كما تمسّك بها بعض العامّة ليس في محلّه ، ونسب الى الصّادق (ع) انّه