سئل عن السّعى بين الصّفا والمروة فريضة أم سنّة؟ ـ فقال (ع) : فريضة ، قيل : أو ليس قال الله عزوجل : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما؟) ـ قال : كان ذلك في عمرة القضاء انّ رسول الله (ص) شرط عليهم ان يرفعوا الأصنام من الصّفا والمروة فتشاغل رجل عن السّعى حتّى انقضت الايّام وأعيدت الأصنام فجاءوا اليه فقالوا : يا رسول الله (ص) انّ فلانا لم يسع بين الصّفا والمروة وقد أعيدت الأصنام فأنزل الله عزوجل (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ) الى قوله : (فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) اى وعليهما الأصنام ونسب اليه (ع) أيضا انّ المسلمين كانوا يظنّون انّ السّعى بين الصّفا والمروة شيء صنعه المشركون فأنزل الله هذه الآية ولا يبعد ان يقال : انّ السّعى بينهما بطريق الهرولة شيء يستقبحه العقول الجزئيّة ويستنكف منه النّفوس الأبيّة فكان مظنّة للتّحرّج لمن لا يدرك من الأشياء الّا ظواهرها فرفع ذلك التّحرّج (وَمَنْ تَطَوَّعَ) تنفّل (خَيْراً) صفة مفعول مطلق محذوف ، أو المعنى تطوّع بخير ، أو هو مبنىّ على التّجريد اى من عمل خير ، أو المراد بالخير الطّواف والسّعى ، أو مطلق مناسك الحجّ والعمرة ، أو مطلق الأعمال الحسنة فرضا كان أم ندبا (فَإِنَّ اللهَ) يجزيه بالخير لأنّه (شاكِرٌ) لا يدع العمل الخير من العباد بلا جزاء (عَلِيمٌ) لا يعزب عنه عمل عامل (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ) اعلم أنّ أمثال هذه الآيات ما مضى منها وما يأتى نازلة في شأن علىّ (ع) وولايته سواء كان نزولها في أهل الكتاب أو في غيرهم فانّ المقصود منها التّعريض بولاية علىّ (ع) فالمعنى انّ الّذين يكتمون ما أنزلنا على محمّد (ع) من دلائل ولاية علىّ (ع) الّتى لم يخف على أحد بعد وفاة محمّد (ص) (وَالْهُدى) المطلق الّذى هو ولاية علىّ (ع) فانّه حقيقة الهدى ، وكلّما يدلّ على الولاية فهو هدى باعتبار انتهائه الى الهدى المطلق (مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ) اى الهدى الّذى هو الولاية (لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ) اى القرآن وأخبار الرّسول (أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) اى الّذين يتأتّى منهم اللّعن من الملائكة والثقلين حتّى أنفسهم فانّهم يقولون : لعن الله الكافرين كما في تفسير الامام (ع) أو من كلّ شيء فانّ الكل باعتبار شعورهم بقدر وجودهم يلعنون الملعونين ، وهذا لا ينافي جريانه في أهل الكتاب الكاتمين لأمر محمّد (ص) وعلىّ (ع) وفي سائر العلماء الكاتمين لمطلق الحقّ وفيمن علم شيئا من الحقّ فكتمه ، ونسب الى ابى محمّد (ع) انّه قال : قيل لأمير المؤمنين (ع) : من خير خلق الله بعد ائمّة الهدى ومصابيح الدّجى؟ ـ قال : العلماء إذا صلحوا ، قيل : فمن شرّ خلق الله بعد إبليس وفرعون ونمرود وبعد المتسمّين بأسمائكم والمتلقّبين بألقابكم والآخذين لا مكنتكم والمتأمّرين في ممالككم؟ ـ قال : العلماء إذا فسدوا ؛ هم المظهرون للأباطيل الكاتمون للحقائق وفيهم قال الله عزوجل : أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللّاعنون ، ونسب الى الباقر (ع) انّه قال : انّ رجلا أتى سلمان الفارسىّ رحمهالله فقال : حدّثنى فسكت عنه ؛ ثمّ عاد فسكت ثمّ عاد فسكت فأدبر الرّجل وهو يتلو هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ) (الى آخره) فقال له : أقبل انّا لو وجدنا أمينا حدّثناه (الحديث) (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا) عن الكتمان (وَأَصْلَحُوا) ما أفسدوه بالجبران (وَبَيَّنُوا) ما كتموه (فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُالرَّحِيمُ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) استيناف في مقام التّعليل ولذا قطعه عمّا قبله والمراد اصالة الكفر بولاية علىّ (ع) (وَماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ) يعنى انّ الكفّار حين الموت وظهور علىّ (ع) عليهم يعرض عليهم الولاية فيقبل بعضهم ويردّ بعضهم فلا يعلم حال الكافر بعد الموت الّا المطلّع على خفايا الأحوال ، فلا يجوز لعن الكافر بعد موته الّا لمن يعلم حاله ، والّا لمن سمع ممّن