يعلم حاله جواز لعنه ، ولمّا كان هذا الحكم تعليلا للسّابق ومن متعلّقاته والمتكلّم في مقام السّخط كلّما ازداد ذمّه للمغضوب عليه اشتدّ غضبه ، وكلّما اشتدّ غضبه ازداد في بسط الكلام وتغليظ الحكم وتأكيده بسط تعالى في الكلام وأكّد فقال تعالى : (أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خالِدِينَ فِيها) في اللّعنة أو في نار جهنّم (لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) بعد دخولهم في العذاب (وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) يمهلون قبل دخول العذاب أو لا يمهلون في العذاب برفع العذاب أو تخفيفه ليعتذروا ، أو لا ينظر إليهم (وَإِلهُكُمْ إِلهٌ) جملة مستأنفة لا بداء حكم آخر على مجيء الواو للاستيناف أو حاليّة والمعنى أنّهم مخلّدون في العذاب لا يخفّف عنهم ولا يمهلون والحال ان لا اله سوى الإله المعذّب يدفع عنهم العذاب ويخلّصهم من الإله المعذّب ، والإله مأخوذ من اله بفتح العين بمعنى عبد فهو فعال بمعنى المفعول وجاء اله كفرح بمعنى تحيّر ، وعليه ؛ اشتدّ جزعه عليه ، واليه ؛ فزع ولاذ ، وآلهه أجاره وآمنه ، ويصحّ جعله مشتقّا من الجميع ؛ ومعنى آلهكم اله أنّ ما جعلتموه معبودا مستحقّ للعبادة لا انّه غير مستحقّ للعبادة (واحِدٌ) لا متعدّد (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) يعنى لا مستحقّ للعبادة سواه حتّى يكون معبودا لغيركم أو يدافعكم عن آلهكم (الرَّحْمنُ) المفيض لوجود الأشياء كلّها والمبقى لها والمعطى لما تحتاج هي اليه في بقائها (الرَّحِيمُ) المفيض للكمالات الاختياريّة البشريّة فاثبت الالاهة للاله المضاف الى المخاطبين ثمّ التّوحيد ثمّ حصر الآلهة فيه وأثبت له المبدئيّة والمنتهائيّة والمالكيّة وهذه هي أمّهات صفاته تعالى وأقام البرهان عليه بقوله : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) فهو استيناف في مقام التّعليل وجمع السّماوات لتعدّدها حقيقة بخلاف الأرض وآيات خلق السّماوات الدّالّة على صانع حكيم عليم قادر ذي عناية بالخلق رحمن رحيم كثيرة خارجة عن إحصاء البشر وما أحصوه منها لا يحيط به البيان من وضع أفلاكها الكلّيّة والجزئيّة المحيطة وغير المحيطة وحركاتها الجزئيّة والكلّيّة المختلفة بالسّرعة والبطوء والاقامة والاستقامة والرجعة والشرقيّة والغربيّة المنضبطة في اختلافها المنوط بها نظام مواليد الأرض من توليدها وبقائها واستكمالها في ذاتها وصفاتها ووضع كواكبها واختلافها بالقرب والبعد من الأرض وشدّة النّور وضعفه وعظم الجرم وصغره والتّحسين والتّبريد وظهور آثار منها في الارضيّات وغير ذلك ممّا فصّل في علم الهيئة والنّجوم وأحكام النّجوم وكذا آيات خلق الأرض من تحيّزها حول المركز بحيث يمكن تأثير السّماويّات فيها من جوانبها ودورانها حولها وتحيّز الماء حواليها وخروج بعض سطوحها عن الماء لا مكان توليد المواليد البرّيّة عليها وتوليد الماء في جوفها ووضع الجبال عليها وانحدار سفوحها لإمكان جريان العيون عليها وإمكان اجراء القنوات فيها وجعلها غير ليّنة غامرة وغير صلبة صعبة البناء عليها متماسكة يتماسك البناء عليها وغير ذلك من المنافع الكثيرة الّتى لا يحصيها الّا الله والآيات المستنبطة من كيفيّة تعانقهما ومحبتّهما وتأثير كلّ وتأثّرها من الاخرى كثيرة أيضا. (وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) اى تعاقبهما ومجيء كلّ خلف الآخر أو اختلاف كلّ منهما في أزمان السّنة بالزيادة والنّقصان أو اختلافهما بزيادة أحدهما على الآخر في أغلب الأوقات وباختلافهما في الصّفات والآثار آيات عديدة دالّة على صانع حكيم قادر رحمن رحيم (وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ) يعنى في جعل الماء مائعة سائلة وجعل موادّ الفلك بحيث تطفو على وجه الماء وهدايتكم الى ترتيبها بحيث يجريها الرّياح على وجه الماء غير خارجة عن اختياركم وفي الآثار المترتّبة على الفلك وسرعة سيرها