والاستحسان قائلون على الله ما لا يعلمون وامّا الخاصّة فليس شأنهم الّا التسليم واتّباع صاحب الوحي والاتّصال وتقليدهم ، نعم ان خرجوا من التّسليم والتّقليد واتّبعوا الرّأى والقياس واجترءوا على الفتيا من غير اذن واجازة من صاحب الاجازة كانوا مثلهم من غير فرق ولا يستعمل العلم في الظّنّ حتّى يجوز ادّعاء الظّنّ من العلم هاهنا وظنّيّة الطريق لا يفيد الّا الظّنّ بالحكم ، والقطع بجواز العمل بالمظنون غير القطع بالحكم فنسبة المظنون الى الله قول على الله بما لا يعلم والتّصويب ليس من مذهب الشّيعة وقد صرّح بعض العامّة بأنّ في هذه الآية منعا من اتّباع الظّنّ في المسائل الدّينيّة ولا حاجة لمن تأمّل فيها ادنى تأمّل الى بيان آخر ولكن لمزيد التّوضيح نذكر قليلا ممّا ورد من المعصومين (ع) فنقول : نسب الى الصّادق (ع) أنّه قال : ايّاك وخصلتين ففيهما هلك من هلك ؛ ايّاك ان تفتي النّاس برأيك أو تدين بما لا تعلم ، وعنه (ع): أنهاك عن خصلتين فيهما هلك الرّجال ، أنهاك ان تدين الله بالباطل وتفتي النّاس بما لا تعلم ، وعنه (ع) انّ الله خصّ عباده بآيتين من كتابه ان لا يقولوا حتّى يعلموا ولا يردّوا ما لم يعلموا ، قال الله تعالى : (أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَ) وقال بل كذّبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله ، وعن الباقر (ع) من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرّحمة وملائكة العذاب ولحقه وزر من عمل بفتياه ، وعنه (ع) انّه سئل ما حقّ الله على العباد؟ ـ قال : ان يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون ، وعن الصّادق (ع) انّه قال : قال رسول الله (ص): من عمل بالمقائيس فقد هلك وأهلك ومن أفتى النّاس بغير علم وهو لا يعلم النّاسخ من المنسوخ والمحكم من المتشابه فقد هلك وأهلك ، وأمثال هذه الاخبار كثيرة جدّا (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ) عطف على محذوف جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل فما يفعل الّذين يأمرهم الشّيطان؟ ـ فقال : يتّبعونه ، وإذا قيل لهم (اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ) في ولاية علىّ (ع) على ما هو المقصود من بيان حال المنافقين مع علىّ (ع) (قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا) ويجوز ان يكون عطفا على محذوف جوابا للسّؤال عن حال السّوء والفحشاء والقول على الله على ما سبق من التّأويل (أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) انكار وتوبيخ على تقليد من لا يميّزه الإنسان ولا يعلم حاله بأنّه من أهل التّحقيق والعلم الّذين أغناهم الله بعلمهم من غيرهم ، أو من أهل التّقليد العاقلين الّذين لا يستقبح تقليدهم لاتّباعهم للعاقل فانّ قوله تعالى (وَلا يَهْتَدُونَ) نفى للاهتداء الى العاقل ، وهذه الآية بيان لحال النّاس من أهل كلّ مذهب الّا من شذّ وندر فانّ الكلّ ينادون بأعلى الأصوات بلسان الحال : انّا لا نقدر على ترك اتّباع ما وجدنا عليه آباءنا ، لاتّكالهم على التّقليد وعلى ما رأوه من آبائهم واقرانهم وممّن سمّوه عالما من زمان صغرهم من غير اعمال رويّة وتميز ونعم ما قيل :
خلق را تقليدشان بر باد داد |
|
اى دو صد لعنت بر اين تقليد باد |
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا) عطف على جملة إذا قيل (الى آخرها) ووضع الظّاهر موضع المضمر اشعارا بأنّ من كان هذا جوابه كان كافرا ، أو حال المعنى انّهم قالوا بل نتّبع ما ألفينا عليه آباءنا والحال أنّهم كالبهائم أو آبائهم كالبهائم في عدم التّفطّن (كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعاءً وَنِداءً) نعق بغنمه كمنع وضرب نعقا ونعيقا ونعاقا ونعقانا صاح بها وزجرها والمعنى مثل هؤلاء القائلين أو آبائهم في عدم قصد المعنى من كلماتهم كمثل داعي البهائم أو رادعهم في عدم قصد المعنى من ألفاظه سوى الدّعاء أو النّداء والزّجر