من انقطع وسائله واضطرّ في التّوسّل الى الله وليس ذلك الّا إذا خرج من انانيّته وحدوده تماما وقوله : وكثرة الدّعاء مع العمى عن الله من علامة الخذلان ؛ اشارة الى صيرورته مظهرا للشّيطان لا مظهرا للرّحمن ، وقوله : من لم ـ يشدّ ذلّة نفسه (الى آخر الحديث) استشهد بذلك على انّ كثرة الدّعاء مع العمى عن الله علامة كونه مظهرا للشّيطان فانّ من لم يظهر سلطان قدرة الله عليه لم يخرج من انانيّته ، ومن لم يخرج من انانيّته كان مظهرا للشّيطان ويحكم على الله بحكم الشّيطان ، فالمعرفة وفهم المسؤل وانقطاع الوسائل الّذى هو الدّين وغلبة سلطان الله على انانيّة العبد من شروط الدّعاء المستفادة من هذا الخبر والكلّ يدلّ على انّ العبد إذا لم يخرج من انانيّته لم يدع الله بل يحكم على الله أو يدعو غير الله ، وفي خبر آخر عنه (ع): من أطاع الله عزوجل فيما أمره ثمّ دعاه من جهة الدّعاء أجابه ، قيل : وما جهة الدّعاء؟ ـ قال تبدأ فتحمد الله وتذكر نعمه عندك ، ثمّ تشكر ثمّ تصلّى على النّبىّ (ص) ، ثمّ تذكر ذنوبك فتقرّبها ، ثمّ تستعيذ منها ؛ فهذه جهة الدّعاء. وفي خبر آخر عنه (ع) انّه قال في جواب من سأل عن عدم الاستجابة : لأنّكم لا توفون بعهده ، وفي خبر عنه (ع): من سرّه ان يستجاب له فليطيّب مكسبه ، وفي خبر عنه (ع) فلييأس من النّاس كلّهم ولا يكون له رجاء الّا عند الله عزوجل ، وكلّ ذلك يدلّ على ان شرط الدّعاء الخروج من الانانيّة والتذلّل تحت قدرة الله حتّى يصير المدعوّ هو الله أو نقول : هو ظرف للاجابة لكنّ المراد انّ الدّاعى إذا دعان بان يكون المطلوب بدعائى هو ذاتي لا امرا آخر من أمور الدّنيا أو الآخرة ، أو المراد انّ الدّاعى إذا دعان لا غيري بان يكون مظهرا للشّيطان وداعيا له بصورة دعائي أجبته في مدعوّه مدخّرا له أو واصلا اليه ان كان في اجابته صلاحه ، وان لم يكن صلاحه فيها أجبته بشيء آخر فيه صلاحه ، وفي خبر انّ العبد ليدعو فيقول الله للملكين قد استجبت له ولكن احبسوه بحاجته ، وفي خبر آخر ما يدعو أحد الا استجاب له امّا الظّالم فدعاؤه مردود الى ان يتوب ، وامّا المحقّ فاذا دعاه استجاب له وصرف عنه البلاء من حيث لا يعلمه أو ادّخر له ثوابا جزيلا ليوم حاجته اليه ، وان لم يكن الأمر الّذى سأل العبد خيرا له ان أعطاه أمسك (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) ولمّا ذكر انّه تعالى كتب الصّيام وليس الصّيام الّا الإمساك عن مشهيّات الحيوان صار المقام مقام ان يسأل عن الجماع والاكل والشّرب هي حلال أم حرام باللّيل كما أنّها حرام بالنّهار؟ ـ فأجاب ذلك بقوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ) اى ليلة يوم الصّيام (الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ) الرّفث الجماع والفحش وتعديته ب إلى لتضمين معنى التّقرّب أو التوجّه (هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ) تعليل لا حلال الجماع والتّشبيه باللّباس للتّلازم بين النّساء والرّجال وشدّة الاحتياج بينهما والمقصود التّنبيه على قلّة الصّبر عنهنّ وصعوبة اجتنابهنّ (وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) وكون هذه الجملة جوابا لسؤال مقدّر مبتن على ظاهر اللّفظ وامّا على ما روى انّ المضاجعة كانت حراما في شهر الصّيام في اللّيل والنّهار وانّه كان من نام في اللّيل كان الاكل والشّرب حراما عليه بعد أو كان الحكم انّ من كان ينام في اللّيل كان الاكل والشّرب والمقاربة حراما عليه فالآية مستأنفة لابتداء حكم آخر ناسخ للحرمة وقوله تعالى : (عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ) يؤيّد هذا الوجه ، وخيانة الله ورسوله في عدم الوفاء بما شرط عليه في عهده خيانة لأنفسهم لتقوية عدوّها عليها (فَتابَ عَلَيْكُمْ) بالتّرخيص فيما نهى عنه من الجماع في ليلة الصّيام والاكل والشّرب بعد النّوم (وَعَفا عَنْكُمْ) يعنى عمّا فعلتموه قبل التّرخيص (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَ) في ليلة الصّيام فلفظ الآن ظرف للتّرخيص المستفاد