من هيئة الأمر ، وليلة الصّيام ظرف للمباشرة فانّه ليس المراء تقييد المباشرة بالآن الحاضر ولا تبتغوا بالمباشرة قضاء الشّهوة فقط (وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) من الصّيام اى حفظه وامتثاله أو ابتغوا ما كتب الله وجعله في المضاجعة من المؤانسة والسّكون إليهنّ وفراغ القلب باستفراغ الشّهوة ، أو ما كتب الله لكم من الولد فانّه فرض تكوينىّ لانّ إيداع الشّهوة في الرّجال والنّساء بحيث لا يطيقون الصّبر عنها في الأغلب وجعل آلاتها بحيث يتولّد الولد من قضائها أمر بالولد وفرض له وعلى أىّ تقدير فالمعنى لا تنسوا امر الله في المضاجعة (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ) يظهر اشدّ ظهور (لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) الظّاهر المتبادر ان يكون من الفجر تعليلا أو يكون من للابتداء ولذلك كانوا في الصّدر الاوّل ينظرون الى الخيطين فيمسكون عن الاكل والشّرب حين تميّز الخيطين من الفجر ، ويحتمل ان يكون من تبعيضيّا أو بيانيّا والجارّ والمجرور حال من الخيط الأبيض فالآية كسائر الآيات من المجملات وبيّنوها لنا بأنّ المراد البياض المعترض المكتنف به سواد اللّيل وهما في اوّل ما يبد وان كالحبلين الممتدّين لكنّه تعالى شبّههما بالخيطين للمبالغة في الإمساك في اوّل ظهورهما وقد ذكر عدّة اخبار في وجه نزول الآية في التّفاسير ، وحتّى يتبيّن ، غاية لباشروهن وكلوا واشربوا جميعا (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ) كأنّه قال : فصوموا ثمّ أتمّوا الصّيام واكتفى عن صوموا بمفهوم الغاية وبيّن آخر وقت الصّيام (إِلَى اللَّيْلِ) واوّل اللّيل اوّل الغروب كما عليه أكثر الهيويّين والمنجّمين وأهل العرف أو اوّل المغرب الشّرعىّ كما عليه أهل الشّرع من الشّيعة (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ) بيان حدّ آخر من حدود المضاجعة وهو المحرّمة وقت الاعتكاف الشّرعى ليلا ونهارا واقتصر على هذا من بين محرّمات المضاجعة لمناسبة الاعتكاف للصّوم لكون الصّوم شرطا له (تِلْكَ) الأحكام المذكورة من اوّل قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ)(حُدُودُ اللهِ) اى حدود جعلها الله لحماه لئلّا يتجاوز عنها المؤمنون فيقعوا في الهاوية والعذاب ، نسب الى النّبىّ (ص) انّه قال : انّ لكلّ ملك حمى وانّ حمى الله محارمه فمن رتع حول الحمى يوشك ان يقع فيه (فَلا تَقْرَبُوها) مبالغة في النّهى عنها مثل نهى آدم (ع) عن قرب الشّجرة (كَذلِكَ) التّبيين لآيات الأحكام وحدود الحمى (يُبَيِّنُ اللهُ آياتِهِ) المطلقة من احكام القالب والقلب وآيات الآفاق والأنفس وخصوصا الآيات الكبرى الّتى هي ذوات الأنبياء (ع) والأوصياء (ع) (لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) يتّصفون بالتّقوى أو يتّقون الحدود والمحرّمات.
(وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ) عطف على السّابق وإبداء لحكم آخر حالكونها (بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) يعنى لا تأكلوا الأموال الّتى جعلها الله بينكم سواء لا اختصاص بشيء منها بشخص منكم بذاته بل الاختصاص ليس الّا بالاعتبار وكلّ وجه اعتبره الشّارع للاختصاص فهو حقّ وكلّ وجه لم يعتبره الشّارع فهو باطل ضائع لعدم استناده الى اعتبار معتبر حقّ ، فأخذ الأموال وأكلها بوجه لم يعتبره الشّارع منهىّ عنه ، أو لا تأكلوا الأموال المشتركة بينكم بالوجوه الحقّة بداع باطل وباعث غير حقّ بان تبتغوا التصرّف فيها بما لم يأذن به الشّارع ويدخل في الأموال المشتركة المائدة والقصعة والخبز والمياه والفواكه والمجالس المشتركة والوجه الرّاجح في التصرّف فيها الإيثار والمباح المواساة والمرجوح التّفاضل مع علم الشّريك ورضاه والمنهىّ الخدعة