(الى آخرها) اى فلا تأتوها من ظهورها وأتوا (الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) كان الظّاهر ان يقول : وأتاها من أبوابها لكنّه عدل الى صيغة الأمر ووضع الظّاهر موضع المضمر للاشعار بأنّ إتيان البيوت اى أمور المعاش والمعاد مأمور به ومنظور اليه في نفسه ولو قال : وأتها من أبوابها لتوهّم انّ المنظور اليه في النّفى والإيجاب كليهما هو القيد وانّ المعنى لو أردتم إتيان البيوت فأتوها من أبوابها لا من ظهورها يعنى انّ المقصود النّهى عن الدّخول من الظّهور لا الأمر بالدّخول في البيوت ، وباب الأمور وجهة الأشياء كلّها هو الولاية ، نسب الى الباقر (ع) انّه قال : يعنى ان يأتى الأمر من وجهه اىّ الأمور كان ، فهو أمر بإتيان الأمور الدّنيويّة والاخرويّة جميعا من وجوهها مثل ان يأتى الحرف والصّناعات من وجوهها الّتى هي أخذ علمها من عالمها وتحصيل الاقتدار على عملها بالممارسة والتّكرار عند عاملها ، ومثل ان يأتى الصّناعات العلميّة من وجوهها الّتى هي الأخذ من عالمها والمدارسة عنده ، ومثل ان يأتى العلوم والأعمال الإلهيّة من وجوهها الّتى هي الأخذ من عالم إلهيّ والمدارسة والممارسة عنده وباذنه وتعليمه فالعمدة في طلب الأمور طلب الوجوه المذكورة ، والعمدة في طلب الآخرة والعلوم الإلهيّة طلب عالم إلهيّ منصوب مجاز من الله بلا واسطة أو بواسطة أو بوسائط وبعد معرفته التّسليم والانقياد له لا الأخذ من الاباء والإقران والمشاهدات والعمل بالرّسوم والعادات ، فقد ورد في الاخبار والآيات ذمّ من قال : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) فمن لم يتأمّل في علمه وعمله وفيمن أخذهما منه ولم يميّز العالم الالهىّ بأدنى مرتبة التّمييز وهو كون فعله موافقا لقوله كان مذموما مطرودا مبغوضا سواء عدّ عالما مفتيا مقتدى أو جاهلا معدودا من السّواقط ، نسب الى الباقر (ع) انّه قال في نزول الآية : انّهم كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ولكنّهم كانوا ينقبون في ظهور بيوتهم اى في مؤخّرها نقبا يدخلون ويخرجون منه فنهوا عن التّديّن بها (وَاتَّقُوا اللهَ) في الانحراف عن الأبواب والدّخول من الظّهور (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) وسبيل الله هو الولاية ، وجميع الأعمال الشّرعيّة من حيث صدورها عن الولاية أو إيصالها الى الولاية سبيل الله لأنّها سبل سبيل الله ، وطريق الكعبة لكونها بالمناسك المشروعة فيها سبيل الله ولكونها مظهرا للقلب الّذى هو سبيل الله حقيقة سبيل الله فقوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) ظرف لقاتلوا حقيقة أو مجازا أو حال عن فاعل قاتلوا ظرفا حقيقيّا أو مجازيّا والمعنى : قاتلوا في حفظ سبل الله أو في ترويجه واعلائه أو في ارتكابه والاتّصاف به أو في طريق الكعبة (الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ) هذه الآية منسوخة بحسب مفهوم قيده الّذى هو عدم تجاوز المقاتلة عن المقاتلين بقوله : (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) ، وناسخة بحسب الأمر بالمقاتلة لقوله تعالى : (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ) ولقوله (كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ) كما روى ، وكان النّبىّ (ص) قبل ذلك لا يقاتل أحدا ، ونقل انّه نزل هذه الآية بعد صلح الحديبية وذلك انّ رسول الله (ص) لمّا خرج هو وأصحابه في العام الّذى أرادوا فيه العمرة فساروا حتّى نزلوا الحديبية صدّهم المشركون عن البيت الحرام فنحروا الهدى بالحديبية ثمّ صالحهم المشركون على ان يرجع في عامه ويعود في العام القابل ويخلوا مكّة ثلاثة ايّام فيطوف بالبيت ويفعل ما يشاء فيرجع الى المدينة من فوره ، فلمّا كان العام المقبل تجهّز النّبىّ (ص) وأصحابه لعمرة القضاء وخافوا ان لا يفي لهم قريش بذلك وان يقاتلوهم وكره رسول الله (ص) قتالهم في الشّهر الحرام وفي الحرم فأنزل الله تعالى هذه الآية (وَلا تَعْتَدُوا) بابتداء القتال وبالتّجاوز عمّن أمرتم بقتاله وبالتّعدّى عن القتل الى قطع الأطراف والتمثيل (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) نفى الحبّ وان كان أعمّ من البغض لكنّه في أمثال المقام يستعمل في البغض