(وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) وجدتموهم وعلى ما ذكر من أنّه ناسخ للآية الاولى فنزوله كان بعدها بتراخ (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) يعنى من مكّة كما كانوا أخرجوكم وقد فعل ذلك بمن لم يسلم (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) لمّا عاب بعض المؤمنين رجلا من الصحابة قتل رجلا من الكفّار في الشّهر الحرام وكرهوا القتال في الحرم والشّهر الحرام في عمرة القضاء قال تعالى الفتنة اى الكفر بالله والإفساد في الأرض الّتى ارتكبها المشركون أشدّ من القتال فارتكاب القتال لدفع محذور أشدّ ممدوح لا أنّه موجب للذّمّ والعقوبة ولكن احفظوا حرمة الحرم وحرمة الشّهر الحرام (وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ) تصريح بمفهوم الغاية (فَاقْتُلُوهُمْ) حتّى يكون القتل منكم دفاعا والدّفاع في الحرم حفظ لحرمته لا هتك لها (كَذلِكَ) القتل بعد المقاتلة (جَزاءُ الْكافِرِينَ) بحرمة الحرم أو بالله (فَإِنِ انْتَهَوْا) عن القتال في الحرم فلا تتعرّضوا لهم فيه (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يستر ما فرط منهم (رَحِيمٌ) يرحمهم بترك عقوبتهم على كفرهم في الحرم (وَقاتِلُوهُمْ) عطف على اقتلوهم يعنى فان قاتلوكم وبدؤكم بالقتال في الحرم فاقتلوهم وقاتلوهم أو عطف على لا تقاتلوهم عند المسجد يعنى لا تقاتلوهم في الحرم الّا ان يبدؤكم بالقتال فيه وقاتلوهم مطلقا في غيره بقرينة المقابلة (حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) شرك وإفساد (وَيَكُونَ الدِّينُ) اى سيرة الخلق أو عبادتهم أو طاعتهم أو ملّتهم (لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا) عن المقاتلة في الحرم أو عن الشرك مطلقا فانتهوا عن القتال (فَلا عُدْوانَ) اى لا عقوبة والعدوان مصدر عدا يعدوا عدوا بمعنى الظّلم والعقوبة من غير استحقاق لكنّه جرّد هاهنا عن قيد عدم الاستحقاق واستعمل للمشاكلة (إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) المقاتلين أو المشركين (الشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ) سمّى بالشّهر الحرام لحرمة القتال فيه حتّى لو انّ رجلا لقى قاتل أبيه أو أخيه فيه لم يتعرّض له بسوء ، والأشهر الحرم كانت اربعة ؛ ثلاثة متوالية ؛ ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ، وواحد فرد وهو رجب ، وسمّى ذو القعدة بذي القعدة لقعودهم عن القتال فيه ولمّا كانوا متحرّجين بالقتال في عام عمرة القضاء وكان المشركون تعرّضوا لقتالهم في العام السّابق فرفع التحرّج عنهم بأنّ قتال المشركين في الشّهر الحرام بإزاء قتالهم ايّاكم في الشّهر الحرام ، أو المراد تهنئة المؤمنين وتسليتهم بأنّ دخول مكّة في ذي القعدة بإزاء صدّ المشركين في ذي القعدة في العام السّابق فالتّقدير قتال الشّهر الحرام بقتال الشّهر الحرام أو دخول مكّة في الشّهر الحرام بإزاء صدّهم عنها في الشّهر الحرام (وَالْحُرُماتُ) جمع الحرمة بالضّمّ والسّكون وبضمّتين وكهمزة ما لا يحلّ انتهاكه والذّمّة والمهابة والنصيب (قِصاصٌ) قيل : كان المشركون فخروا بردّهم رسول الله (ص) في عام الحديبية فقال تعالى : تهكّما بهم : والحرمات فيها قصاص ونسب هذا الى الباقر (ع) ، وقيل : انّه أيضا رفع لتحرّج المسلمين بالقتال في عام القضاء ، يعنى انّ الحرمات يجب حفظها ولا يجوز هتكها ولكن يجوز الاقتصاص فيها وجمع الحرامات باعتبار حرمة الشّهر وحرمة الإحرام وحرمة الحرم وقوله تعالى (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ) يؤيّد هذا الوجه واعتدى وعدى وتعدّى بمعنى ظلم (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ) يعنى في الشّهر الحرام وفي الحرم أو مطلقا واستعمال الاعتداء مع أنّه ليس من المؤمنين اعتداء من باب المشاكلة والتّجريد