ازدياد الإفساد والإهلاك للجاجته (فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهادُ) المهاد ككتاب الفراش والموضع الّذى يهيّئ للسكون عليه (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي) يبيع (نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) يعنى لا لنفسه أو لنفسه ولكن من غير استشعار بالابتغاء فانّه ان كان ابتغاء مرضات الله لنفسه بالاستشعار كان مناقضا لقوله (يَشْرِي نَفْسَهُ) ، ونزول هذه الآية في علىّ (ع) وبيتوتته على فراش النّبىّ (ص) ليلة فراره (ص) كما روى بطريق العامّة والخاصّة وتجري الآية الاولى في كلّ منافق لا يتوسّل الى ربّه والثّانية في كلّ من قام عن نفسه وطرح انانيّته وفنى في ربّه وبينهما مراتب ودرجات أدرجها تعالى في صنفين الاوّل من توسّل بالله لتعمير دنياه بمراتبه والثّانى من توسّل بالله لدنياه وآخرته وأشار إليهما بقوله : (فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ) الى آخر الآية (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) فبرأفته يمهل المنافق ويحفظ الفاني ويجزى طالب الدّنيا والآخرة والرّأفة والرّحمة متقاربتان إذ اجتمعتا فانّ الرّحمة امر نفسانىّ والرّأفة ما يشاهد من آثارها على الأعضاء (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) بعد ما بيّن أصناف النّاس نادى المؤمنين اى الدّاعين لله للدّنيا أو للدّنيا والآخرة أو لذاته تهييجا لهم بلذّة النّداء ثمّ أمرهم بالدّخول في مرتبة الصنّف الأخير فقال (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ) بالكسر والفتح الصلح وقرئ بهما والمراد بالايمان هو الإسلام الحاصل بالبيعة العامّة وقبول الدّعوة الظاهرة ، والمراد بالسّلم الولاية والبيعة الخاصّة وقبول الدّعوة الباطنة سمّيت بالسّلم لانّ الدّاخل في الايمان الحقيقىّ بقبول الدّعوة الباطنة وقبول الولاية يحصل له تدريجا الصلح الكلّىّ مع كلّ الموجودات ولا ينازع شيئا منها في شيء من الأمور (كَافَّةً) جميعا حال عن فاعل ادخلوا أو عن السّلم بمعنى الدّخول في جميع مراتب السّلم ، ويجوز ان يكون اسم فاعل من كفّ بمعنى منع ويكون التاء للمبالغة ويكون حالا من السّلم اى ادخلوا في السّلم حالكونه مانعا لكم عن الخروج أو عن الشين والنّقص (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) عن الصّادق (ع) السّلم ولاية علىّ (ع) والائمّة (ع) والأوصياء من بعده ، وخطوات الشّيطان ولاية أعدائهم. وعن تفسير الامام (ع) يعنى في السّلم والمسالمة الى دين الإسلام كافّة جماعة ادخلوا فيه في جميع الإسلام فاقبلوه واعملوا فيه ولا تكونوا كمن يقبل بعضه ويعمل به ويأبى بعضه ويهجره ، قال (ع) ومنه الدّخول في قبول ولاية علىّ (ع) كالدّخول في قبول نبوّة محمّد (ص) فانّه لا يكون مسلما من قال : انّ محمّد (ص) رسول الله فاعترف به ولم يعترف بانّ عليّا (ع) وصيّه وخليفته وخير أمّته ، وقد مضى بيان لخطوات الشّيطان واتّباعها عند قوله تعالى : (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ)(إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) قد مضى بيانه هنا لك (فَإِنْ زَلَلْتُمْ) عن الدّخول في السّلم (مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ) الحجج الواضحات على ما دعيتم اليه (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ) لا يمنعه عن الانتقام مانع (حَكِيمٌ) في علمه يدرك دقائق ما صدر منكم ، وحكيم في عمله لا يدع شيئا منها بلا مكافاة ، ولا سبب للعفو عنكم حتّى يعفو عن بعض أعمالكم ، أو المراد فان زللتم من بعد دخولكم في السّلم ومن بعد ما جاءتكم البيّنات اى الواردات والحالات الإلهيّة المشهودة لكم فاعلموا انّ الله عزيز لا يمنعه من العفو أو لا يمنعه من الانتقام مانع حكيم يجعل السّلم بحكمته سببا للعفو ، أو يكافئ القليل والكثير (هَلْ يَنْظُرُونَ) ثمّ صرف الكلام الى المنافقين بعد نداء الفرق الثّلاث من المسلمين فقال تعالى : هل ينظر هؤلاء المنافقون المتزيّنون في ظاهر حالهم (إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ) اى امر الله