والطّغيان والمخالفة (لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِ) من بيانيّة والظرف مستقرّ حال من ما أو من ضمير فيه والعامل فيه عامل ذي الحال (بِإِذْنِهِ) بترخيصه وإباحته التّكوينيّة ظرف لغو متعلّق باختلفوا أو بآمنوا أو بهدى وتفسيره بالإباحة والتّرخيص اولى من تفسيره بالعلم كما فسّره بعض (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) تأكيد لما سبق ودفع لتوهّم الشّريك له تعالى في الهداية فانّ تقديم المسند اليه يفيد الحصر والتّأكيد ، وتنبيه على انّ مناط هدايته تعالى ليس من قبل العبد بل هو مشيّته تعالى حتّى يخرج العباد من مشيّتهم ولا ينظروا الى أعمالهم وتصريح بكون المؤمنين مرضيّين كما كانوا مهديّين وكون ما اختلفوا فيه هو الصّراط المستقيم (أَمْ حَسِبْتُمْ) أم منقطعة متضمّنة للاستفهام الإنكاري أو مجرّدة عن الاستفهام والاضراب عن انزجارهم بسبب الاختلاف وعن إنكارهم جواز الاختلاف بعد بعث الرّسل كأنّه قيل : لا ينبغي الانزجار من الاختلاف والانزعاج من أذى المختلفين وانكار جواز الاختلاف بسبب بعث الرّسل فكأنّه قال : هل ضجرتم من الاختلاف وأنكرتموه بعد بعث الرّسل؟! بل ظننتم (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) يعنى لا ينبغي لكم مثل هذا الظّنّ فانّ الرّاحة بدون العناء لا تكون الّا نادرا فوطّنوا أنفسكم على الاختلاف الشّديد والأذى الكثير من المخالفين حتّى تفازوا بالجنّة (وَلَمَّا يَأْتِكُمْ) جملة حاليّة (مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ) مستأنفة جواب لسؤال مقدّر أو حال بتقدير قد (وَالضَّرَّاءُ) البأساء الضّرر الّذى يكون من قبل الخلق على سبيل العداوة نفسيّا كان أم ماليّا ، والضّرّاء ما يكون من قبل الله ، أو من قبل الخلق لا على سبيل إعلان العداوة ، ويستعمل كلّ في كلّ وفي الاعمّ (وَزُلْزِلُوا) اضطربوا اضطرابا شديدا في معاشهم ودنياهم من أذى المخالفين أو في دينهم أيضا من مشاهدة غلبة المخالفين ومغلوبيّتهم (حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ) قرئ بالنّصب بتصوير الحال الماضية حاضرة بتصوير الزّلزال حاضرا والقول بالنّسبة اليه مستقبلا ، وبالرّفع بتصوير القول حاضرا أو ماضيا (وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللهِ) استبطاء لنصره تعالى وهذا بالنّسبة الى المؤمنين جائز الوقوع فانّ الاضطراب في الدّين أو الدّنيا قد يقع منهم لضعفهم وعدم تمكينهم وامّا بالنّسبة الى الرّسول فيكون على سبيل المشاكلة ، أو هذا الكلام منه ومنهم على سبيل المسئلة لا الاستبطاء والانزجار (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ) كلام من الله جواب لسؤال مقدّر تقديره هل يكون النّصر بطيئا؟ ـ فقال : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ،) أو التّقدير فما قال الله لهم؟ ـ فأجيب : قال الله: (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ،) فحذف قال أو كلام منهم كأنّه قيل : أفما قالوا غير ذلك؟ ـ فقيل : قالوا بعد ما تأمّلوا فيما شاهدوا من فضل الله عليهم : (أَلا إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ ،) أو الكلام من قبيل قالوا كونوا هودا أو نصارى بان يكون القول الاوّل من الامّة وهذا من الرّسول (يَسْئَلُونَكَ) مستأنف منقطع عمّا قبله (ما ذا) اىّ شيء أو ما الّذى (يُنْفِقُونَ) وعلى الاوّل فما ذا في موضع نصب مفعول لينفقون (قُلْ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ) ما يصدق عليه اسم الخير من المال كائنا ما كان قليلا أو كثيرا جيّدا أو غير جيّد ، ولا يصدق اسم الخير على المال الّا إذا كان كسبه بقلب صاف ونيّة صادقة والتّصرّف فيه كذلك وما مفعول أنفقتم ولا حاجة الى جعله مبتدء حتّى يحتاج الى تقدير العائد (فَلِلْوالِدَيْنِ) كأنّ سؤالهم عن المنفق فأجاب تعالى بالمصرف تنبيها على انّ الاهتمام في الإنفاق بان يقع في موقعه ويصدر عن قلب صاف ونيّة صادقة كما أشير اليه بعنوان الخير لا بعين المنفق فانّه قد يقع التمرة في موقعه فيفضل القنطار (وَالْأَقْرَبِينَ