وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) بيّن المصرف بالتّرتيب الاولى فالاولى (وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ) ترغيب في الإنفاق بأنّ مطلق فعل الخير معلوم له تعالى ولا يدعه من غير مجازاة ؛ وما مفعول تفعلوا (تِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ) مستأنف منقطع عمّا قبله مثل سابقه ولا حاجة الى تكلّف الارتباط بينهما فانّ كلّا من هذه بيان لحكم من احكام الرّسالة غير الحكم الآخر (وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ) اعلم انّ ملائمات النّفس كلّها مطلوبة محبوبة للإنسان في مرتبته البشريّة ومولمات النّفس كائنة ما كانت مكروهة له في مرتبته البشريّة ، وكثيرا ما يكون الإنسان جاهلا بانّ ملائمات النّفس ومكروهاتها ملائمة لقوّته العاقلة أو غير ملائمة ، والقتال من حيث احتمال النّفس تلفها وتلف اعضائها وتعبها في الطّريق وحين البأس والخوف من العدوّ وسماع المكروه من المقاتلين وغير ذلك مكروه لها ، لكنّه من حيث تقوية القلب والاتّصاف بالشّجاعة والتّوكّل على الله والتّوسّل به وتحصيل قوّة السّخاء وقطع النّظر عن الآمال وغير ذلك من المحامد الحاصلة بسببه خير للإنسان ، وهكذا الحال في سائر ملائمات النّفس ومولماتها ؛ ولذلك قال تعالى : (وَاللهُ يَعْلَمُ) انّ في القتال وفي سائر ما كرهتموه الّذى أمركم الله به خيرا لكم ولذلك يأمركم بها (وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ولذلك تكرهون (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ) قد مضى الأشهر الحرم والتّوصيف بالحرام لحرمة القتال فيه ولذا أبدل عنه بدل الاشتمال قوله تعالى (قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) ارادة الجنس والتّوصيف بالظّرف مسوّغ للابتداء بقتال (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) مبتدء خبره أكبر والجملة عطف على مقول القول أو هو عطف على كبير أو على قتال عطف المفرد (وَكُفْرٌ بِهِ) عطف على صدّ (وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) عطف على سبيل الله وليس عطفا على المجرور بالباء لعدم اعادة الجارّ أو عطف عليه على قول من اجازه (وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ) عطف على صدّ ان جعل مبتدء والّا فمبتدأ خبره (أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) وهو رفع لتحرّج المسلمين بالقتال في الأشهر الحرم (وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ) في الأشهر الحرم وغيرها هو من كلامه تعالى عطف على يسألونك أو مقول قوله تعالى عطف على جملة قتال فيه كبير (حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطاعُوا) فقاتلوهم ما استطعتم في الأشهر الحرم وغيرها فانّه لا يجوز التّوانى في المقاتلة إذا كانت مدافعة عن النّفس والمال والعيال فكيف إذا كانت مدافعة عن الدّين فلا يمنع منها شهر حرام ولا مكان محترم (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ) من كلامه تعالى وعطف على لا يزالون أو على يسألونك أو مقول قول الرّسول (ص) أو جملة حاليّة (فَيَمُتْ) عطف على يرتدد (وَهُوَ كافِرٌ) تقييد الموت بالكفر في ترتّب العقوبة للاشعار بانّ من مات وكان كافرا قبل الاحتضار لا يحكم عليه بالعقوبة لجواز ان يقبل الولاية حين الاحتضار وظهور علىّ (ع) عليه فان ظهر عليه علىّ (ع) حين الاحتضار وأنكر هو ؛ كان موته على الكفر والّا فلا ، ومن لا يعلم حال المحتضر من القبول والرّدّ لا يجوز له الحكم عليه بإسلام ولا كفر ، ولا ينبغي التّفوّه باللّعن عليه (فَأُولئِكَ) تكرار المبتدء باسم الاشارة البعيدة لاحضارهم ثانيا باوصافهم