بين الفعل ومفعوله أو المعنى قدّموا أنفسكم بزيادة لام التّقوية يعنى قدّموا ذواتكم على الشّيطان أو على النّفوس المقتضية لمخالفة الرّحمن في الأعمال ولا سيّما الأعمال الموافقة للنّفوس كإتيان النّساء حتّى لا تغلب عليكم فتلهيكم عن أمره أو يكون قدّموا بمعنى تقدّموا اى تقدّموا على الشّيطان أو على الأنفس لانتفاع أنفسكم أو ذواتكم (وَاتَّقُوا اللهَ) في تقديم أمر الشّيطان أو امر النّفس أو تقدّم واحد منها عليكم (وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ) في الآخرة أو في الحال الحاضر ولذا أتى باسم الفاعل المتبادر منه الزّمان الحاضر يعنى إذا علمتم انّكم في حال العمل ملاقو الله أو في حال الجزاء ملاقوه اجتنبتم القبيح وتقديم الشّيطان وهوى النّفس (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) صرف الخطاب منهم اليه (ص) لانّه أهل التّبشير أو الخطاب عامّ وهذا الكلام أمر ونهى ووعد ووعيد (وَلاتَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً) معرضا (لِأَيْمانِكُمْ) جمع اليمين بمعنى الحلف يعنى لا تكثروا الحلف بالله صادقا أو كاذبا أو لغوا تأكيدا للكلام أو لا تجعلوا الله حاجزا عن اعمال الخير لأجل ايمانكم على تركها وكلاهما مرويّان (أَنْ تَبَرُّوا) لان لا تبرّوا أو كراهة ان تبرّوا أو ارادة ان تبرّوا أو لأن تبرّوا أو على ان تبرّوا أو في ان تبرّوا اى في حقّ البرّ ، أو هو بدل عن الايمان على ان يكون المراد بها الأمور المحلوف عليها (وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) يسمع ما تتفوّهون به من الايمان بالله يعلم سرائركم فيؤاخذكم ان كان ايمانكم كاذبة ونيّاتكم غير صادقة (لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ) اى بالإتيان بكلام غير معتدّ به في الايمان أو بالخطاء في الايمان وعلى اىّ تقدير فالظّرف لغو متعلّق باللّغو لكونه مصدرا مقتضيا لهذا الظّرف ولا حاجة الى جعله ظرفا مستقرّا حالا من اللّغو والمراد به الايمان التّأكيديّة الّتى ليست مرادفة للنذر والعهد ولا مثبتة لحقّ أو مبطلة لحقّ ، وقيل : المراد باللغو في الايمان الخطاء فيها بان يحلف صادقا ثمّ تبيّن انّه اخطأ وكان كاذبا فلا اثم عليه ولا كفّارة ، وقيل : المراد اليمين الّتى يحلف بها الغضبان فلم يكن فيها كفّارة ان حنث ، وقيل كلّ يمين ليس له الوفاء بها ولا يكون في حقّ ولا كفّارة فيها فهي لغو (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) بالّذى كسبته أو بكسب قلوبكم.
اعلم انّ العمل فعلا كان أو قولا إذا لم يكن عن نيّة قلبيّة واعتقاد جازم بالغاية المترتّبة عليه كان لغوا ولا يثبت منه أثر معتدّ به في القلب ولا يصدق عليه انّه كسب القلب منه شيئا وإذا كان من نيّة قلبيّة واعتقاد جازم بالغاية منه حصل صورة ذلك العمل في مقام إجمال النّفس اوّلا ثمّ في مقام تفصيلها ثمّ حرّك الشوقيّة ميلا وعزما وارادة ثمّ حرّكت الارادة القوّة المحرّكة ثمّ حرّكت المحرّكة الاعصاب ثمّ الأوتار والعضلات والأعضاء ثمّ يحدث الفعل ثمّ ينتقل ذلك العمل من طريق الباصرة أو السّامعة الى الحسّ المشترك ثمّ الى الخيال والواهمة ثمّ الى مقام إجمال النّفس ، فبانتقاش الفعل مرّتين في النّفس وآلاته يحصل اثر ثابت فيها فيصدق عليها انّها كسبت من العمل شيئا ، فمعنى قوله تعالى (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) يؤاخذ على يمين تورث أثرا في قلوبكم بسبب العزم عليها من قلوبكم وانتقاشها فيها وفي آلاتها مرّتين (وَاللهُ غَفُورٌ) يغفر لغو الايمان ولا يؤاخذكم به (حَلِيمٌ) لا يعجل بمؤاخذة ما يؤاخدكم عليه ثمّ ذكر تعالى قسما واحدا من أقسام الايمان الّتى يؤاخذ بها فقال (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ) يبعدون بالحلف (مِنْ نِسائِهِمْ) بان يحلفوا ان لا يجامعوهنّ (تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ) من النّساء وأهلهنّ ومن حكّام الشّرع فلا يطالبوهم بشيء من المضاجعة والطّلاق (فَإِنْ فاؤُ) في تلك