المدّة بحنث ايمانهم وكفّارتها فلا شيء عليهم (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يغفر ما فرط منهم بعد الكفّارة (رَحِيمٌ) يرحمهم بترخيص المراجعة بعد الحلف (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيعٌ) لطلاقهم (عَلِيمٌ) بنيّاتهم وإراداتهم من انّها إفساد أو إصلاح.
اعلم انّه تعالى كرّر هاهنا ذكر الجلالة بأوصاف مختلفة في اربعة مواضع ؛ والوجه العامّ كما مرّ اقتضاء محبّة المخاطب والتذاذه تكرار ذكر المحبوب واقتضاء محبّة المتكلّم للمخاطب تطويل الكلام بالبسط والتّكرار واختلاف الأوصاف انّما هو باقتضاء خصوصيّة المقام ، فانّ النهى عن جعله تعالى عرضة للايمان يقتضي التّهديد بانّه تعالى يسمع كلّما ينطق به الإنسان ومن جملتها كثرة الايمان وابتذال اسم الله يجعله مقدّمة لهوى النّفس ويعلم ما في الجنان من الحقّ والباطل والكذب والصدق ومقام الامتنان بترك المؤاخذة باللّغو في الايمان ، والمؤاخذة على ما كسبت القلوب تقتضي ذكر المغفرة بالنّسبة الى ترك المؤاخذة والحلم بالنّسبة الى المؤاخذة وترك العجلة والفيء بعد النّظر الى مساوي المرأة والغضب عليها والحلف على اضرارها الى الإحسان إليها ، وغضّ البصر عن ذنوبها يقتضي ذكر مغفرة الله ورحمته تعالى وعزم الطّلاق ببقاء الغضب عليها والنّظر الى ذنوبها ، والتّفوّه بصيغة الطّلاق يقتضي ذكر السّماع والعلم بنيّة المطلّق وغضبه والعلم بمساويه لعلّه يتنبّه ويغفر طلبا لغفران الله ونسب الى الصّادقين (ع) انّهما قالا : إذا الى الرّجل ان لا يقرب امرأته فليس لها قول ولا حقّ في الاربعة أشهر ولا اثم عليه في كفّه عنها في الاربعة أشهر فان مضت الاربعة أشهر قبل ان يمسّها فسكنت ورضيت فهو في حلّ وسعة وان رفعت أمرها قيل له امّا ان تفيء فتمسّها ، وامّا ان تطلّق وعزم الطّلاق ان يخلّى عنها فاذا حاضت وطهرت طلّقها وهو أحقّ برجعتها ما لم تمض ثلاثة قروء فهذا الإيلاء أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه وسنّته (وَالْمُطَلَّقاتُ) لمّا انجرّ الكلام الى ذكر الطّلاق ذكر تعالى بعض أحكامه ولفظ المطلّقات يشمل جميع أقسام الطّلاق وجميع المطلّقات المدخول بهنّ يائسات وغير يائسات حاملات وغير حاملات ذوات إقراء وغير ذوات الأقراء وهنّ في سنّ ذوات الأقراء ، والغير المدخول بهنّ لكنّ المراد ذوات الأقراء المدخول بهنّ الغير الحوامل فالآية مثل سائر الآيات من المجملات المحتاجة الى البيان (يَتَرَبَّصْنَ) اخبار في معنى الأمر واشعار بانّ هذا ديدنهنّ لا حاجة لهنّ الى الأمر به ولا يمكنهنّ غيره والمقصود التّأكيد في التّربّص (بِأَنْفُسِهِنَ) الباء للتّعدية اى يحملن انفسهنّ على انتظار رجوع الأزواج أو للسببيّة مثل ضرب الأمير بنفسه يعنى (١) لا بواسطة غلامه فانّه ليس للدّلالة على وساطة النّفس بل على نفى وساطة الغير وكلاهما يدلّان على المبالغة وانّ النّساء كان انفسهنّ لا تطيعهنّ في التّربّص أو لفظ الباء مثله في قولهم ربص بفلان وتربّص به خيرا أو شرّا يعنى انتظر الخير أو الشّرّ له فهو للإلصاق كأنّ التّربّص من المتربّص ملصق بالمتربّص به والمعنى انّ المطلّقات يتربّصن رجوع أزواجهنّ (ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) القرء من الاضداد للطّهر والحيض والمشهور من الاخبار والفتوى انّ المراد به هاهنا الطّهر (وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَ) يعنى انهنّ مصدّقات في كونهنّ طاهرات وفي انقضاء العدّة وفي الحمل وعدمه ولا يحلّ لهنّ ان يكتمن ما في ارحامهنّ من الدّم والحمل لتعجيل العدّة أو لتعجيل الطّلاق أو لعدم ردّ الولد على والده (إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) شرط تهييج
__________________
(١) يعنى انهن يحتجن ان يتكلفن ويحملن أنفسهنّ على التربص بعدم طاعة الأنفس أو يحتجن لهن ان يعاون بأنفسهن لتربص انفسهن وان يتكلفن في ذلك لعدم طاعة انفسهن للتربص.