المطلوب في هذا الأمر وقوله تعالى : (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ) ، و (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) ، و (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) بتعليق يأس الكفّار وإكمال الدّين وإتمام النّعمة والرّضا بالإسلام دينا وإحلال الطّيّبات والمحصنات من النّساء على يوم البيعة مع علىّ (ع) في غدير خمّ يدلّ على ان لا حليّة لشيء بدون الولاية ، وقد مرّ مرارا انّه كلّما ذكر عهد وعقد وميثاق ويمين فالنّظر اوّلا الى عقد البيعة وخصوصا البيعة الخاصّة الولويّة ، وكلّما ذكر نقض عقد وعهد وميثاق فالمقصود عقد البيعة ولا سيّما الولاية ؛ والحاصل انّ الإنسان بمنزلة المادّة للولاية ، والولاية صورته وفعليّته فما لم ينعقد بالولاية لم يكن له فعليّة الانسانيّة ، وإذا انعقد بالولاية حصل له الانسانيّة وتمّ له الفعليّة فكأنّه قبل الولاية لم ينفخ فيه روح الحيوة وكان ميتا أفمن كان ميتا فأحييناه يعنى بالولاية اشارة الى ما ذكر ، وقوله (ع): النّاس موتى وأهل العلم أحياء ؛ اشارة اليه فانّ اهليّة العلم منحصرة بهم وبشيعتهم كما قالوا : شيعتنا العلماء بطريق الحصر فكلّ نعمة وخير وصلاح نعمة وخير وصلاح بالولاية ، والّا كان نقمة وشرّا وفسادا كائنا ما كان ، وبالولاية احياء النّسل والحرث وإصلاح الأرض وعمارتها ، وبردّها إهلاك النّسل والحرث وإفساد الأرض وخرابها ، وهي ذروة الأمر وسنامه ومفتاح الأشياء وباب الأبواب ورضى الرّحمن وجنّة الرضوان وأصل الخيرات وأساس الحسنات ، وهي الحكمة الّتى من أوتيها فقد اوتى خيرا كثيرا ، وهي رحمة الله وبها يكون فضل الله وقوام النّبوّة والرّسالة ، ومن عرف من أمّة محمّد (ص) واجب حقّ ولايته وجد طعم حلاوة ايمانه وعلم فضل طلاوة إسلامه ، بها دين العباد وبنورها استهلال البلاد ، وببركتها نموّ التلاد ، وهي حيوة الأنام ، ومصباح الظلام ، ومفتاح الكلام ، ودعامة الإسلام ، وبالجملة الإنسان غاية خلق العالم والولاية غاية خلق الإنسان (وَاللهُ سَمِيعٌ) جملة حاليّة للتّرغيب في الايمان بالله كأنّه قال : (فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى) مع انّ الله الّذى آمن به سميع لأقواله (عَلِيمٌ) بأفعاله فيجزيه بها (اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا) جملة حاليّة مكتفية عن الرّابط بتكرار ذي الحال أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما شأن الله مع من آمن به وما يفعل بهم؟ ـ فقال تعالى : هو وليّهم وقدّم الله هاهنا بخلاف القرين الآتي حيث أخّر الطّاغوت لشرافته والالتذاذ والتبجّح بذكره والدّلالة على انّه ليس في قلبه (ص) سواه (يُخْرِجُهُمْ) خبر بعد خبر ، أو حال عن المستتر في الخبر ، أو عن الموصول أو عنهما ، أو مستأنف جواب لسؤال عن حاله معهم ، أو عن علّة إثبات ولايته ، وأتى بالخبر الاوّل وصفا لعدم التجدّد والحدوث في الولاية بعد ثبوته بالبيعة الولويّة بخلاف إخراجه تعالى للمؤمنين من الظّلمات فانّه امر يتطرّق التجدّد والحدوث فيه آنا فانا (مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ).
اعلم انّ اللّطيفة السيّارة الانسانيّة المعبّر عنها بالإنسان ليست في بدو حصول مادّتها واستقرارها في الرّحم الّا قوّة محضة وعدما شأنيّا ثمّ تتدرّج في الخروج من القوّة والعدم الى الفعليّة والوجود الى زمان بلوغها مبلغ الرّجال فيصير الإنسان إنسانا بالفعل واقعا بين دار النّور ودار الظّلمة مختلطا فيه نور الانسانيّة بظلمة الحيوانيّة والطّبع والمادّة والشّيطنة ، وظلمة الحيوانيّة تنشعب الى شعب كثيرة فان أدركته العناية الإلهيّة وبلغ الى من دعاه الى الإسلام وأسلم بالتّسليم والانقياد للنّبىّ (ص) ونوّابه وبايع البيعة الاسلاميّة وحصل له الحالة الحاصلة بالبيعة ازداد نوريّته واشتدّت بواسطة نور الإسلام وأخرجه الله قليلا من الظّلمات المذكورة الى النّور ، فان أدركته العناية مرّة أخرى ودخل في الايمان بقبول الولاية والبيعة الخاصّة الولويّة وحصل له الحالة الحاصلة بالبيعة الخاصّة