على التصرّف فيها بقدر قوّته قليلا أو كثيرا ، وادراك الدّقائق في عالمه الصّغير والقدرة فيه عبارة عن النّبوّة وخلافتها ، وذلك الإدراك والقدرة في العالم الكبير عبارة عن الرّسالة وخلافتها وأساس ذلك هي الولاية كما عرفت فيجوز تفسير الحكمة بكلّ من الولاية والنّبوّة والرّسالة وبمعرفة الامام وطاعته وبمعرفة الامام واجتناب الكبائر وبالكتاب وبالثّبات عند أوائل الأمور والوقوف عند عواقبها وبهداية الخلق الى الله وبمعرفة الامام والفقه في الدّين ، والحكمة سبب عمارة البيوت فما من بيت ليس فيه شيء من الحكمة الّا كان خرابا ، وقد فسّرت بالتشبّه بالإله علما وعملا وهي غاية خلق الإنسان بل غاية عالم الإمكان ولذلك قال تعالى : (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ) بالحكمة أو باستلزامها للخير الكثير (إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) اعلم انّ الإنسان بتمام عباداته وعظيم طاعاته ما لم ينعقد قلبه بالولاية كان كشجرة اللّوز والفستق الّتى كانت كثيرة اللّوز والفستق اللّذين لم يكن لهما لبّ وينبغي ان يوقد في النّار ولا يبصر شيئا من دقائق المصنوع ولا من دقائق حيل الشّيطان فلا يقدر على دفع شيء من حيله ، وإذا انعقد قلبه بالولاية صار اثمار أعماله ذوات ألباب وأبصر من الدّقائق والحيل بقدره فما لم ينعقد قلبه بالولاية لا يتذكّر ذلك وإذا انعقد تذكّر (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ) ممّا يطلق عليه اسم النّفقة قليلا كان أم كثيرا في حقّ أم باطل صحيحا أو فاسدا مبطلا أو مبقى سرّا أو علانيّة (أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ) كذلك تجزوا به (فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ) ويقدر على المجازاة ولا مانع من مجازاته (وَما لِلظَّالِمِينَ) اى مانعي الحقوق من أهاليها ومعطيها لغير أهاليها في الإنفاق والنّذر أو في مطلق الموارد ومنها الإنفاق والنّذر (مِنْ أَنْصارٍ) يدفعون عقوبة الله عنهم (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : إبداء الإنفاق خير أو اسراره؟ ـ فقال : ان تبدوها (فَنِعِمَّا هِيَ) اى فنعم شيئا أو نعم الشّيء الصّدقات المبدءات وجعل المخصوص هاهنا الصّدقات للاشعار بأنّ مدح الإبداء انّما هو لمدح الصّدقات بخلاف اخفائها فانّه ممدوح في نفسه وممدوح لمدح الصّدقات أيضا (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ) اى الإخفاء (خَيْرٌ لَكُمْ) كما انّ نفس الصّدقة خير لكم ، وجعل المخصوص بالمدح في الفقرة الاولى إبداء الصّدقات كما قدّروا يذهب باللّطف المندرج في العبارة. في الخبر : انّ كلّما فرض الله عليك فإعلانه أفضل من اسراره ، وما كان تطوّعا فإسراره أفضل من إعلانه ، ولو انّ رجلا حمل زكوة ماله على عاتقه فقسمها علانية كان ذلك حسنا جميلا ، وفي خبر ، انّهم يعنى أصحاب الرّسول (ص) كانوا يستحبّون إظهار الفرائض وكتمان النّوافل ، والوجه في ذلك انّ الفرائض بعيدة عن المراءاة فيها والعجب والانانيّة بخلاف النّوافل ، لكن نقول : هذا كسائر الأحكام يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال فربّ صدقة نفل يكون اعلانها أفضل بمراتب من إعلان الزّكاة الفرض ، وربّ زكوة فرض يكون اسرارها أفضل من اسرار النفل (وَيُكَفِّرُ) اى الله أو الإخفاء قرئ بالرّفع عطفا على مجموع جملة الشّرط والجزاء ، أو على الجزاء ولم يجزم لكون المعطوف عليه جملة اسميّة غير ظاهر فيها الجزم ، أو لتقدير مبتدء حتّى يصير المعطوف على الجزاء جملة اسميّة ، وقرئ بالنّون وبالتّاء المثنّاة من فوق على ان يكون الفعل للصّدقات مرفوعا ومجزوما (عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) ترغيب في الأسرار بعد التّنبيه على انّه أفضل بجعله محكوما عليه بالخير دون الإبداء (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ) كان النّبىّ (ص) بعد ما أظهر الله تعالى ابطال الصّدقة بالمنّ والأذى وابطالها بالرّياء وان لا ناصر لمن ظلم في الإنفاق والنّذر تحرّج (ص) من عدم اهتداء أمّته وقومه الى وجوه الخير في الإنفاق