الوجوه غير ظاهر المرام ليس من دأب الحكيم ليس في محلّه ؛ لانّ المعنى ان كان من جنس المحسوسات وممّا يدركه العوامّ يمكن الإتيان بالكلام نصّا في المرام وما يمكن الإتيان به غير محتمل لغيره قد يؤتى به لأغراض صحيحة عقلانيّة محتمل الوجوه العديدة وقد عدّوا الإتيان بالكلام محتمل الوجهين أو الوجوه من محسّنات الكلام وان كان من الأمور الغيبيّة الّتى لا شبيه لها في هذا العالم فانّها بمقدّراتها ومجرّداتها نورانيّة وما في هذا العالم بجملتها ظلمانيّة ولا مناسبة بوجه من الوجوه بين النورانىّ والظّلمانىّ بل النورانىّ إذا ظهر أفنى الظلمانىّ ولذلك قال تعالى : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ) لانّ الموجودات النّورانيّة إذا ظهرت في هذا العالم بوجوداتها افنت ما فيها لا يمكن التعبير عنها الّا بالأمثال ، والتّصوير بالأمثال لا يمكن الّا بالعبارات المتشابهة المحتاجة الى التّأويل كالرّؤيا المحتاجة الى التّعبير فانّها تصوير ما في ذلك العالم عند المدارك الاخرويّة بالأمثال وليست الّا محتاجة الى التّعبير ولا يجوز ذلك التّأويل وهذا التّعبير الّا من بصير ناقد بوجوه المناسبة بين الأمثال والممثّل لها نسب الى أمير المؤمنين (ع) انّه قال : اعلم انّ الرّاسخين في العلم هم الّذين أغناهم الله عن الاقتحام في السّدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب فقالوا : آمنّا به كلّ من عند ربّنا ؛ فمدح الله عزوجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلّفهم البحث عنه منهم رسوخا فاقتصر على ذلك ولا تقدّر عظمة الله على قدر عقلك فتكون من الهالكين (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا) عن الاستقامة على طريق الاعتراف بالعجز فيما لا نعلم وترك التّصرّف في المتشابه الّذى لا نعلم تأويله والإقرار بأنّه من عند الله الى التّصرّف فيما لا نعلم والتفوّه بالآراء وتأويل المتشابه من عند أنفسنا واتّباع ما يوافق منه أهواءنا (بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) الى التّسليم وترك الاستبداد بالآراء بقبول الولاية والبيعة الخاصّة (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) سألوا الإبقاء على التّبرّى وازدياد التولّى ، والهبة الإعطاء من غير عوض وهذا المعنى على التّحقيق خاصّ بالله أو من تخلّق بأخلاقه ، عن الكاظم (ع) انّ الله قد حكى عن قوم صالحين انّهم قالوا (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)، حين علموا انّ القلوب تزيغ وتعود الى عماها ورداها انّه لم يخف الله من لم يعقل عن الله ، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه على معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه ، ولا يكون أحد كذلك الّا من كان قوله لفعله مصدّقا وسرّه لعلانيته موافقا لانّ الله لم يدلّ على الباطن الخفىّ من العقل الّا بظاهر منه وناطق عنه (رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ) اى في يوم أو لحساب يوم (لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ) تعليل لقوله تعالى : (لا رَيْبَ فِيهِ) أو لقوله تعالى (إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ) ، والميعاد وقت الوعد أو محلّه (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ابتداء كلام من الله منقطع عن سابقه ، ويجوز ان يكون من جملة مقول المؤمنين تعليلا للسّابق والمراد بالكفر الكفر بالولاية فانّ الآية تعريض بالامّة ويدلّ عليه قوله تعالى (ذَّبُوا بِآياتِنا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ) اغنى زيدا عن عمر وجعله غنيّا عن الاحتياج الى عمرو ، واغنى العذاب عن زيد جعل العذاب غنيّا عن الاحتياج الى زيد كأنّ العذاب محتاج اليه في وروده فجعله غنيّا عنه كناية عن دفعه عنه فالمعنى لن تدفع عنهم (أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ) حال عن قوله تعالى (شَيْئاً) اى لن تدفع شيئا حالكونه نازلا من الله (وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) في الجحيم كما انّهم في الدّنيا وقود نار الغضب والحرص والحسد وغيرها (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) اى شأنهم وديدنهم وهو متعلّق بلن تغني ، أو بوقود النّار ،