إخلاص الوجه لله وهو وصف مطلوب لكلّ عاقل صار المقام مقام السّؤال عن اتّصافهم بالإسلام والمعنى اصرتم مسلمين أو مخلصين وجوهكم لله (فَإِنْ أَسْلَمُوا) صاروا مسلمين أو مخلصين وهو تهييج لهم على الإسلام (فَقَدِ اهْتَدَوْا) لانّ الإسلام اهتداء ووصول الى طريق الايمان ، وإخلاص الوجه لله اهتداء الى الكمالات الانسانيّة (وَإِنْ تَوَلَّوْا) عن الإسلام أو إخلاص الوجه فليس عليك وباله (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ) اى التبليغ وقد بلّغت وليس عليك قبولهم حتّى يكون وبال عدم قبولهم عليك ، والبلاغ اسم مصدر من الإبلاغ أو التّبليغ (وَاللهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) فيجازى كلّا بعمله ؛ وعد ووعيد (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ) استيناف بيانىّ جواب لسؤال مقدّر (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍ) للتّبيين لا للتّقييد (وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ) اى اتّباع الأنبياء والمبتاعين بالبيعة الخاصّة فانّ البائع بالبيعة الخاصّة يأمر بالقسط البتّه ولو في مملكة وجوده (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) نزلت في بنى إسرائيل الّذين قتلوا ثلاثة وأربعين نبيّا من اوّل النّهار في ساعة واحدة فقام مائة رجل واثنا عشر رجلا من عبّاد بنى إسرائيل فأمروا من قتلهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوا جميعا في آخر النّهار في ذلك اليوم ، هكذا روى عن رسول الله (ص) لكنّ الآية جارية في كلّ من كان مثلهم وسنخهم وكلّ من قتل نبيّه الباطنىّ واتباعه وان لم يقتل نبيّا في الخارج ولا تابعا لنبىّ ، وتعريض بمن تعرّض لقتل الائمّة واتباعهم بعد وفاة الرّسول (ص) (أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ) بطلت وذهبت (أَعْمالُهُمْ). اعلم انّ العمل مقابل العلم عبارة عمّا يظهر على الأعضاء مسبوقا بقصد من العامل قولا كان أو فعلا أو ما يصدر من النّفس في الباطن من المجاهدات الباطنيّة ، وكلّ منهما لا يبقى بنفسه لكنّ النّفس تتجوهر بكيفيّة تكون مصدرا لهما ثمّ تتزايد تلك الكيفيّة منهما وتكون تلك الكيفيّة باقية معها في الدّنيا والآخرة وثمرتها في الدّنيا الخلاص من عذاب الأوصاف الرّذيلة وفي الآخرة التلذّذ بالأمور الاخرويّة وبمناجاة الله ، وبعبارة اخرى النّفس تتكيّف منهما بجهتيها ، جهتها الدّنيويّة الّتى يحصل بها للإنسان الاضافة الى الخلق وجهتها الاخرويّة الّتى بها يحصل الاضافة الى عالم الأرواح ، وثمرة كيفيّة جهتها الدّنيويّة الفراغ من رذائل تلك الاضافة ومتاعبها ، وثمرة كيفيّة جهتها الاخرويّة التلذّذ بالأمور الاخرويّة وبمناجاة الله ؛ وعلى هذا فقوله تعالى : (فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) حال من أعمالهم أو ظرف للحبط (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يدفعون عنهم العذاب الّذى تبشّرهم به (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) الم تر الى كذا كلمة تعجّب وتعجيب ، والرّؤية اعمّ من رؤية البصر ورؤية القلب ، ونزول الآية ان كان في أحبار اليهود فهي جارية في كلّ من أقرّ بشريعة وكتاب ثمّ اعرض عن شريعته وكتابه فانّ الكتاب عبارة عن احكام الرّسالة والنّبوّة ، والكتب التّدوينيّة السّماويّة صورة تلك الأحكام وظهورها ، والمنظور منافقوا الامّة حيث أقرّوا بمحمّد (ص) وشريعته وكتابه واعرضوا عن كتابه بعد وفاته (يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ) حال أو جواب لسؤال مقدّر ، وان كان المراد به التّوراة فالتّعريض بالامّة والقرآن (لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) قرئ بفتح الياء وضمّها وفتح الكاف (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ) عن كتاب الله عطف على يدعون والإتيان بأداة التّراخى اشارة الى انّ التولّى وقع منهم بعد الدّعاء الى الكتاب بمهلة فانّه (ص) على ما قيل دخل مدرسهم ودعاهم الى الإسلام فقالوا : على اىّ دين أنت؟ ـ قال : على ملّة إبراهيم (ع) فقالوا :