وان كان نفي الحبّ اعمّ من البغض فانّه يستعمل في أمثال المقام في أحد فرديه ووضع الظّاهر موضع المضمر للاشارة الى علّة الحكم والى انّ التولّى عن الطّاعة كفر (إِنَّ اللهَ اصْطَفى) في موضع تعليل للأمر بطاعة الرّسول وسببيّة اتّباعه (ص) للمحبوبيّة كأنّه قال (ص) : فاتّبعونى وأطيعوني لانّى نبىّ من ذرّيّة إبراهيم ومن آله وانّ الله اصطفى (آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ) لنبوّتهم (عَلَى الْعالَمِينَ) وقد ورد في اخبار كثيرة انّهم قرءوا آل إبراهيم وآل عمران وآل محمّد على العالمين ، وفي بعض آل إبراهيم وآل محمّد (ص) بدل آل عمران وقال (ع) فوضعوا اسما مكان اسم والمراد بآل عمران موسى (ع) وهارون (ع) وأولادهما ، أو عيسى (ع) ومريم ابنة عمران ، ولعلّ هذا هو المراد كما سيجيء أو المجموع لصدق آل عمران على المجموع ، وقيل بين العمرانين كان الف وثمانمائة سنة والمراد بآل إبراهيم ، إبراهيم وآله كما سبق الاشارة اليه ، والعدول من إبراهيم الى آل إبراهيم ليعمّ الأنبياء (ع) والأوصياء (ع) بعده بلفظ واحد فانّ الكلّ منسوبون اليه بالنّسب الجسمانيّة كما انّهم منسوبون اليه بالنّسب الرّوحانيّة وذكر آل عمران وآل محمّد (ص) بعده من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام بالخاصّ كأنّه قال : انّ الله اصطفى آل إبراهيم واصطفى منهم آل عمران وآل محمّد (ص) (ذُرِّيَّةً) حال من نوح وآل إبراهيم وما بعده ، أو منصوب بفعل محذوف للمدح ، أو بدل من ما قبله ، والذّريّة بالضمّ والكسر ولد الرّجل للواحد والجمع (بَعْضُها) ناش (مِنْ بَعْضٍ) ولا ينافي كون بعضها من بعض تشعّبها من إبراهيم بشعبتبن (وَاللهُ سَمِيعٌ) لاقوال عباده بلسان استعدادهم ولسان قالهم فيعطى كلّا من المصطفى وغيره بحسب استعداده (عَلِيمٌ) بمكمونات العباد من القوى البعيدة من الاستعدادات القريبة من الفعل فينظر منهم الى قواهم البعيدة من الفعل ولا يعطى جزافا كما لا يمنع جزافا فاصطفى هؤلاء باستحقاقهم واستعدادهم والجملة حال أو عطف على جملة انّ الله اصطفى أو على معمولى انّ في مقام التّعليل لاصطفاء هؤلاء ، أو هي في مقام التّعليل لاصطفاء آل عمران كأنّه كان وجه اصطفاء آدم ونوح وآل إبراهيم معلوما بخلاف اصطفاء آل عمران فقال في بيان وجهه : انّ الله اصطفى آل عمران لانّه كان سميعا لاقوال امرأة عمران عليما باستحقاقها (إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ) فعلى هذا لفظ إذ كان ظرفا لسميع وعليم أو مفعولا به لهما باعتبار المضاف اليه نظير الوصف بحال المتعلّق ، أو ظرف لاصطفى المقدّر قبل آل عمران وعلى الوجه الاوّل قوله (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) كان مفعولا لا ذكر مقدّرا وكان منقطعا عمّا قبله واسم امرأة عمران كان حنّة وكانتا أختين إحداهما عند عمران بن اشهم من ولد سليمان (ع) بن داود (ع) وقيل عمران بن ماثان وكان بنو ماثان رؤساء بنى إسرائيل ، والاخرى عند زكريّا وكان اسمها أشياع ، وفي أخبارنا انّ زوجة زكريّا كانت أخت مريم لا أخت أمّها وكانت حنّة قد أمسك عنها الولد حتّى اسنّت فبينا هي تحت شجرة إذ رأت طائرا يزّق فرخا له فتحرّكت نفسها للولد فدعت الله ان يرزقها ولدا فحملت بمريم ونذرت ولدها لخدمة بيت المقدّس وروى انّ الله اوحى الى عمران انّى واهب لك ذكرا سويّا مباركا يبرئ الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله وجاعله رسولا الى بنى إسرائيل فحدّث امرأته حنّة فلمّا حملت بها كان حملها عند نفسها غلاما فلمّا وضعتها قالت ربّ انّى وضعتها أنثى وليس الذّكر كالأنثى لا يكون البنت رسولا يقول الله تعالى والله اعلم بما وضعت فلمّا وهب الله لمريم عيسى (ع) كان هو الّذى بشّر به عمران ووعده ايّاه فاذا قلنا في الرّجل منّا شيئا وكان في ولده أو ولد ولده فلا تنكروا ذلك ، ولمّا ظنّت انّ حملها الذّكر الموعود نذرته لخدمة بيت المقدّس وقالت (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) معتقا من خدمتنا لخدمة المتعبّدات أو مختارا