يدّخر فيها النّصارى فلمّا أصبح الحواريّون حدّث كلّ واحد منهم بلغة من أرسله عيسى (ع) إليهم فذلك قوله عزوجل ، (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) ، وذكر في الإنجيل انّ يهودا الّذى دلّهم على عيسى (ع) ندم على فعله والقى الدّراهم اليسيرة وكانت ثلاثين قطعة من الفضّة في معبدهم وقتل نفسه. وورد في أخبارنا انّه القى شبه عيسى (ع) على شابّ من تابعيه ليكون معه في درجته. وفي الإنجيل انّ الّذى كفر به اللّيلة الّتى أخذ فيها ثلاث مرّات قبل ان يصيح الدّيك كان شمعون وانّه كفر به ، وأنكره ثلاث مرّات ، وفي الإنجيل انّ اليهود صلبوا عيسى (ع) والتمس رجل من تابعيه من الملك ان يدفن جثّته فأذن له ودفنه في قبر نحته من الحجر لنفسه والقى على بابه حجرا عظيما ثمّ رفع من القبر بعد الموت واجتمع له الحواريّون وعلّم كلّ بلغة من أرسل إليهم ، وروى عن النّبىّ (ص) انّه قال بعث الله عيسى بن مريم (ع) واستودعه النّور والعلم والحكم وجميع علوم الأنبياء قبله وزاده الإنجيل وبعثه الى بيت المقدّس الى بنى إسرائيل يدعوهم الى كتابه وحكمته والى الايمان بالله ورسوله فأبى أكثرهم الّا طغيانا وكفرا فلمّا لم يؤمنوا دعا ربّه وعزم عليه فمسح منهم شياطين ليريهم آية فيعتبروا فلم يزدهم ذلك الّا طغيانا وكفرا فأتى بيت المقدّس فمكث يدعوهم ويرغّبهم فيما عند الله ثلاثة وثلاثين سنة حتّى طلبته اليهود وادّعت انّها عذّبته ودفنته في الأرض حيّا ، وادّعى بعضهم انّهم قتلوه وصلبوه وما كان الله ليجعل لهم سلطانا عليه وانّما شبّه لهم ، وروى عن الباقر (ع) انّ عيسى (ع) وعد أصحابه ليلة رفعه الله اليه فاجتمعوا اليه عند الماء وهم اثنا عشر رجلا فأدخلهم بيتا ثمّ خرج عليهم من عين في زاوية البيت وهو ينفض رأسه من الماء فقال انّ الله اوحى الىّ انّه رافعي اليه السّاعة ومطهّرى من اليهود فايّكم يلقى عليه شبحي فيقتل ويصلب فيكون معى في درجتي؟ ـ فقال شابّ منهم : انا يا روح الله قال فأنت هو فقال لهم عيسى (ع) اما انّ منكم من يكفر بى قبل ان يصبح اثنتى عشرة كفرة فقال له رجل منهم انا هو يا نبىّ الله فقال عيسى (ع) أتحسّ بذلك في نفسك فلتكن هو ثمّ قال لهم عيسى (ع) اما انّكم ستفرقون بعدي على ثلاث فرق ، فرقتين مفتريتين على الله في النّار وفرقة تتّبع شمعون صادقة على الله في الجنّة ، ثمّ رفع الله عيسى (ع) اليه من زاوية البيت وهم ينظرون اليه ثمّ قال انّ اليهود جاءت في طلب عيسى (ع) من ليلتهم فأخذوا الرّجل الّذى قال له عيسى (ع) : انّ منكم لمن يكفر بى قبل ان يصبح اثنتى عشرة كفرة ، وأخذوا الشابّ الّذى القى عليه شبه عيسى (ع) فقتل وصلب وكفر الّذى قال له عيسى (ع) يكفر بى قبل ان يصبح اثنتى عشرة كفرة.
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) اى قابضك من الأرض بحيث لم ينالوا منك شيئا من غير قبض روحك من توفّيت مالي بمعنى أخذته بتمامه أو متوفّيك توفّى منام على ما روى انّه رفع نائما نظيره قوله (هُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) اى ينيمكم أو متوفّيك توفّى مماة ؛ على ما نقل انّه أماته ثلاث ساعات أو على ما نقل في الإنجيل انّه صلب وقتل ودفن أو هو على التّقديم والتّأخير معنى بناء على انّ الواو لا يفيد ترتيبا اى انّى رافعك ثمّ متوفّيك (وَرافِعُكَ إِلَيَ) اى الى سمائي وسمّى رفعه الى السّماء رفعا الى نفسه تشريفا للسّماء لانّها بمنزلة حضرته (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) من لوث مجاورتهم ومعاشرتهم أو من منقصة قصدهم وقتلهم ايّاك (جاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بك من اليهود المكذّبين وغيرهم وامّا المسلمون فانّهم غير مكذّبين له وغير كافرين به بل هم الّذين اتّبعوه حقيقة في اخباره ببعثة محمّد (ص) فهم أيضا فوق الّذين كفروا بالحجّة والغلبة في الدّنيا والآخرة ، وأتى باسم الفاعل في الأوصاف المذكورة الدالّ على الثّبات والاستمرار