معاذ الّذى اهتزّ عرش الرّحمن له ورضى الله بحكمه في بنى قريظة ، وقال الخزرجىّ : منّا اربعة احكموا القرآن ؛ ابىّ بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وابو زيد ، ومنّا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم ؛ فجرى الحديث بينهما فغضبا وتفاخرا وناديا فجاء الأوس الى الاوسىّ والخزرج الى الخزرجيّ ومعهم السّلاح فبلغ ذلك النّبىّ (ص) فركب حمارا وأتاهم فأنزل الله الآيات فقرأ عليهم فاصطلحوا (وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها) ذكر نعمة اخرى اخرويّة هي دفع بلاء الوقوع في النّار والنّجاة منها وبيان لما يورثه العداوة والالفة (كَذلِكَ) التّبيين لآياته المودعة في البيت والمقام واحكامه المقرّرة في باب حجّ البيت وآياته المذكورة في مواعظكم (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ) الاخر التّكليفيّة والوعظيّة والتّكوينيّة (لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) الى مصالحكم ومضارّكم أو الى ولاية ولىّ أمركم فانّها غاية كلّ هداية وتلويح كلّ آية كما انّ قوله تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ) تعريض بالأمر بطلب الولاية وبالإجابة لولىّ الأمر فانّ المقصود انّ كون أمّة منكم داعية الى الخير أمر حتم فاطلبوهم وأجيبوا دعوتهم ، وقرء في قراءة أهل البيت ائمّة ، وعن الباقر (ع) في هذه الآية قال : فهذه لآل محمّد (ص) ومن تابعهم يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر (وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) الكاملون في الفلاح فانّ كمال الفلاح بالبقاء بعد الفناء في الله وهو مقام الدّعوة الى الخير والأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر ، وعن الصّادق (ع): الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر خلقان من خلق الله تعالى فمن نصرهما أعزّه الله ومن خذلهما خذله الله ، وعن النّبىّ (ص) انّه قال : لا يزال النّاس بخير ما أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وتعاونوا على البرّ فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات وسلّط بعضهم على بعض ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السّماء ، ونسب الى الباقر (ع) انّه قال : يكون في آخر الزّمان قوم يتبع فيهم قوم مراءون يتقرّءون ويتنسّكون حدثاء سفهاء لا يوجبون امرا بمعروف ولا نهيا عن منكر الّا إذا امنوا الضّرر يطلبون لأنفسهم الرّخص والمعاذير يتّبعون زلّات العلماء وفساد علمهم يقبلون على الصّلوة والصّيام وما لا يكلّهم في نفس ولا مال ، ولو اضرّت الصّلوة بسائر ما يعملون بأموالهم وأبدانهم لرفضوها كما رفضوا اسمى الفرائض وأشرفها ؛ انّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر فريضة عظيمة بها تقام الفرائض هنا لك يتمّ غضب الله عليهم فيعمّهم بعقابه فيهلك الأبرار في دار الفجّار والصّغار في دار الكبار ، انّ الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر سبيل الأنبياء ومنهاج الصّالحين ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتؤمن المذاهب وتحلّ المكاسب وتردّ المظالم وتعمر الأرض وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر فأنكروا بقلوبكم والفظوا بألسنتكم وصكّوا بها جباههم ولا تخافوا في الله لومة لائم فان اتّعظوا والى الحق رجعوا فلا سبيل عليهم (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) هنالك فجاهدوهم بأبدانكم وأبغضوهم بقلوبكم غير طالبين سلطانا ولا باغين مالا ولا مريدين بالظّلم ظفرا حتّى يفيئوا الى امر الله ويمضوا الى طاعته. وقد مضى تحقيق واف في اوّل البقرة عند قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) للأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر (وَلا تَكُونُوا) يعنى فاجتمعوا على التّمسّك بتلك الامّة ولا تكونوا (كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) كاليهود والنّصارى تركوا التّمسّك بأوصياء موسى (ع) وعيسى (ع) وتفرّقوا غاية التفرّق واختلفوا غاية الاختلاف (مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) كما جاءتكم البيّنات والحجج الدّالّات