على وجوب التّمسّك وعلى معرفة من تتمسّكون به (وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) توعيد للمتفرّقين وتهديد بليغ للمتشبّهين بهم من هذه الامّة ولهذا التهديد البليغ أكّد عذابهم باسميّة الجملة والإتيان بها ذات وجهين فانّه في قوّة تكرار النّسبة والإتيان باسم الاشارة البعيدة وتأكيد العذاب بالعظيم (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) بياض الوجه وسواده كنايتان عن بشاشة السّرور ونضارته وكابة الحزن والخوف وكدورته ، أو يظهر البياض حقيقة في وجوه والسّواد في وجوه لانّ يوم القيامة يوم ظهور الباطن فيظهر نور هؤلاء وظلمة أولئك على ظاهرهم (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) فيقال لهم (أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) فحذف فاء جواب امّا مع القول ، ونزول الآية كما عن علىّ (ع) وغيره من الخاصّة والعامّة في منافقي الامّة الّذين ارتدّوا على ادبارهم بعد ايمانهم بمحمّد (ص) أو علىّ (ع) فانّه روى انّهم أهل البدع والأهواء من هذه الامّة وهذا التفسير يناسب الآيات السّابقة بحسب تعريضها (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) بعد ايمانكم (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَتِ اللهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) لم يقل ففي رحمة الله خالدون لتأكيد دخولهم في الرّحمة وللبسط في مقام المحبّة وانّما لم يأت بالنّشر مطابقا للّف لان يكون فتح الآية وختمها بالرّحمة وأهلها وخالف بين الفقرتين فانّ التوفيق بينهما ان يقول واما الذين ابيضت وجوههم أبقيتم على ايمانكم فادخلوا الرحمة بما كنتم تؤمنون لكن لمّا كان التقريع على السّيئة أسوء عقوبة للمسيء أراد ان يبيّن انّهم يقرّعون اوّلا ثمّ يدخلون العذاب ولمّا كان العذاب لا يحسّون به الّا في الآخرة وان كانت جهنّم محيطة بهم لكنّهم لا يدخلونها ولا يحسّون بالمها الّا في الآخرة لكون أعضائهم خدرة في الدّنيا ولبقائهم في أبواب الرّحمة خارج جهنّم رحمة بهم لعلّهم يتنبّهون ويرجعون ما لم يبطلوا فطرتهم الانسانيّة ولذلك يقال لهم في الآخرة : ادخلوا أبواب جهنّم لانّهم لم يدخلوا أبوابها بعد قال تعالى في حقّهم تفريعا على تقريعهم في الآخرة: (فَذُوقُوا الْعَذابَ ؛) بخلاف المؤمنين لانّ التهنئة على البقاء على الايمان ليست تشبه الجزاء لهم وانّهم داخلون في الرّحمة من حين كونهم في الدّنيا فاسقط التّذكرة بالبقاء على الايمان في جزائهم وأتى بالرّحمة مشعرا بدخولهم فيها من غير انتظار الآخرة ولم يقل بما كنتم تؤمنون لانّ دخول الرّحمة ليس الّا بمحض الفضل بخلاف دخول العذاب فانّه بفعل العباد ، وروى عن النّبىّ (ص) ما يدلّ على انّ المراد بهم مخالفو علىّ (ع) ومتّبعوه فانّه (ص) قال : يرد علىّ أمّتي يوم القيامة على خمس رايات ؛ فراية مع عجل هذه الامّة فأسألهم ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ ـ فيقولون : أمّا الأكبر فحرّفناه ونبذناه وراء ظهورنا ، وامّا الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه ، فأقول : ردوا النّار ظماء مظمئين مسوّدة وجوهكم ، ثمّ يرد علىّ راية مع فرعون هذه الامّة فأقول لهم : ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ ـ فيقولون : امّا الأكبر فحرّفناه ومزّقناه وخالفناه ؛ وامّا الأصغر فعاديناه وقاتلناه فأقول : ردوا النّار ظماء مظمئين مسوّدة وجوهكم ، ثمّ يرد علىّ راية مع سامرىّ هذه الامّة فأقول لهم : ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ ـ فيقولون : امّا الأكبر فعصينا وتركنا ؛ وامّا الأصغر فخذلنا وضيّعنا ، فأقول : ردوا النّار ظماء مظمئين مسوّدة وجوهكم ، ثمّ يرد علىّ راية ذي الثديّة مع اوّل الخوارج واخرهم فاسألهم : ما فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ ـ فيقولون : امّا الأكبر فمزّقناه وبرئنا منه ، وامّا الأصغر فقاتلنا وقتلنا ، فأقول : ردوا النار ظماء مظمئين مسوّدة وجوهكم ، ثمّ يرد علىّ راية امام المتّقين وسيّد ـ المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين ووصىّ رسول ربّ العالمين فأقول لهم : ماذا فعلتم بالثّقلين من بعدي؟ ـ فيقولون : امّا الأكبر فاتّبعناه وأطعناه ؛ وامّا الأصغر فأحببنا ووالينا ونصرنا حتّى أهريقت فيه دمائنا ، فأقول : ردوا الجنّة رواء