الرّضا مقابل الغضب كالصورة للرّحمة الرّحمانيّة وهي مادّة للرضا والغضب فانّ الرّحمة الرّحمانيّة وهي افاضة الوجود وكمالات الموجود قد تصير في بعض الموجودين وهم المختارون العاصون غضبا وفي بعضهم وهم المختارون المطيعون رضا ، والرّحمة السّابقة على الغضب هي الرّحمة الرّحمانيّة دون الرّحمة الرّحيميّة أو هي الرّحمة الرّحيميّة والمراد بسبقها تعلّقها بالمكلّفين بحسب اقتضاء فطرتهم ذلك كما سبق وقد علم ممّا ذكر وجه تخلّل الاسم بين الجارّ والله ، ووجه تقديم الله على الرّحمن ، وتقديم الرّحمن على الرّحيم ، وأشار بالله الى جامعيّته تعالى وبالرّحمن الى مبدئيّته وبالرّحيم الى مرجعيّته وقد جمع جميع إضافاته فيهما ولمّا كان الحروف اللّفظيّة بإزاء مراتب الوجود العينيّة كان كلّ منها اشارة الى مرتبة منه فالالف لبساطتها اشارة الى مرتبة الوجوب والباء لكونها أقرب الى الالف في البساطة اشارة الى فعله الّذى لا فرق بينه وبينه ، والنّقطة تحت الباء اشارة الى تعيّن الفعل بالإمكان ولذلك ورد : بالباء ظهر الوجود اشارة الى مقام المشيّة ، وبالنّقطة تحت الباء تميّز العابد عن المعبود ؛ اشارة الى تعيّنها بالإمكان الاوّل العقلاني وقيل ظهرت الموجودات من باء بسم الله ، وبلحاظ انّ الحروف بإزاء مراتب الوجود ولحاظ انّ جميع الكتب السّماويّة لتصحيح النسب الحقيّة والنسب الخلقيّة وجميع النسب الحقيّة والخلقيّة مجتمعة بحسب الامّهات في فاتحة الكتاب وجميع ما في الفاتحة مجتمعة في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وجميع ما في تمام (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مجتمعة في باء بسم الله صحّ ان يقال جميع ما في القرآن في سورة فاتحة الكتاب ، وجميع ما في سورة فاتحة الكتاب في (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وجميع ما في بسم الله ، في باء بسم الله ، وعلىّ (ع) باعتبار تعيّنه الاوّل هو النقطة تحت الباء وصحّ ان يقال ، لو شاء العالم لاوقر سبعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب أو من تفسير (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) أو من تفسير باء بسم الله كما نسب أكثر هذه المضامين الى مولانا أمير المؤمنين عليهالسلام.
(الْحَمْدُ لِلَّهِ) قرأ القرّاء بضمّ الدّال وكسر اللّام وقرء في الشواذّ بفتح الدّال وكسر اللّام وقرء أيضا بكسر الدّال واللّام لاتباع الدّال للّام ولام الحمد لتعريف الجنس أو الاستغراق وعلى اىّ تقدير فالكلام للحصر وهو على تقدير الاستغراق واضح وعلى تقدير الجنسيّة فالحصر يستفاد من لام لله لانّه للاختصاص والحمد امّا بمعنى ما يحمد عليه وصحّ الحصر حينئذ مع ما يترائى من صفات الكمال لغيره تعالى لانّ ما للغير من صفات الكمال انّما هي له تعالى حقيقة واتّصاف الغير بها باعتبار مظهريّته لها لا باعتبار انّها من نفسه أو بمعناه المصدرىّ وفاعله الله وأصله حمد الله حمدا ثمّ حذف الفعل ونقل المصدر الى الرّفع وادخل عليه لامّ التعريف وجعل الله خبره بتوسط اللّام للدلالة على الثّبات والاستغراق والحصر وحصر الحمد بهذا المعنى في الله مع تعدّد الحامدين وكثرتهم لما سيأتى في سورة البقرة عند قوله (لكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يُرِيدُ) من انّه تعالى فاعل كلّ فعل ظاهر من كلّ فاعل وانّه لا فاعل في الوجود الّا الله ولا حول ولا قوة الّا بالله ولانّ كلّ مادح إذا كان مدحه حمدا يعنى ثناء على جميل واقعيّ اختياريّ لا يكون مادحا الّا إذا صار عقلانيّا ناظرا بنظر العقل ومتكلّما بلسان العقل لا بنظر الجهل ونظر نفسه ولا بلسان الجهل ولسانه ، ونظر العقل ولسانه نظر الله ولسانه فحمده يكون حينئذ حمد الله لا حمد غير الله ، أو بمعناه المصدرىّ والله مفعوله والأصل حمدت الله حمدا فحذف الفعل وأقيم المصدر مقامه وادخل عليه اللّام وعدل به الى الرّفع وجعل مفعوله بتوسط اللّام خبرا له هذا باعتبار الحدوث والصدور للمعنى المصدرىّ ويجوز ان يعتبر المصدر مبنيّا للفاعل أو المفعول بمعنى اعتبار ثبوت الحدث للفاعل أو المفعول واتّصافه به من غير اعتبار الحدوث والصدور فيه ، ويكون المعنى الحامديّة لله أو المحموديّة لله.
اعلم انّ ما يحمد عليه من صفاته الجماليّة عين ما يسبّح تعالى به من صفاته الجلاليّة لانّ أصل جميع