والجملة جواب القسم وجواب الشّرط محذوف وهذا تسلية للمؤمنين وتقوية لقلوبهم وتسهيل للموت والقتل عليهم وترغيب لهم في الجهاد (وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللهِ) الّذى هو مولاكم وولىّ أمركم وحبيب قلوبكم ومنتهى طلبتكم (تُحْشَرُونَ) فما لكم تكرهون الموت أو القتل ، وقدّم القتل في الاية الاولى للاهتمام به في ترتّب الجزاء بخلاف الآية الثّانية فانّ ترتّب الجزاء فيها لا خصوصيّة للقتل فيه والموت هو الفرد الشّائع من الشّرط فالاهتمام بتقديمه أكثر (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ) الفاء للتّرتيب في الاخبار والباء سببيّة وما زائدة للتّأكيد وتنكير الرّحمة للتّفخيم (لِنْتَ لَهُمْ) يعنى برحمة عظيمة نازلة من الله عليك لنت لهم فكن شاكرا لنعمه (وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا) سيّء الخلق خشن الكلام (غَلِيظَ الْقَلْبِ) لا رقّة ولا رأفة فيه (لَانْفَضُّوا) لتفرّقوا (مِنْ حَوْلِكَ) ولم يسكنوا إليك (فَاعْفُ عَنْهُمْ) يعنى إذا علمت انّ لين الجانب ولين الكلام رحمة ونعمة من الله ، وانّ سوء الخلق وقساوة القلب بالنّسبة إليهم مورث لتفرّقهم فاجتهد في المداراة معهم واعف عن إساءتهم بالنّسبة إليك (وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) ما بيني وبينهم حتّى يرغبوا فيك اشدّ رغبة ويسكنوا اشدّ سكون (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) اى في الحرب مخصوصا أو في كلّ ما يصحّ المشاورة فيه تطييبا لنفوسهم وتحبيبا لهم إليك واستظهارا برأيهم وتسنينا لسنة المشاورة في أمّتك لانّ في المشاورة رفعا للملامة والنّدامة في العمل وجلبا للبركة فيه لانّ في اتّفاق النّفوس أثرا ليس في انفرادها بالأمر بل نقول : ان لم يكن في الأمر الّذى يشاور فيه ويتّفق نفوس عليه خير يجعل الله فيه خيرا لا محالة فلا ينبغي ترك المشاورة في الأمور (فَإِذا عَزَمْتَ) بعد المشاورة والاتّفاق على امر «ف» لا تعتمد على الشّورى واتّفاق الآراء فانّ الصّلاح والفساد في الأمور بيد الله و (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) فاعتمد على الله بأخذه وكيلا في أمورك وإصلاحها (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ولا شرف فوق محبّة الله ؛ ترغيب في التّوكّل.
اعلم انّ التوكّل والتّسليم والتّفويض متقاربة المفهوم ويستعمل كلّ في معنى الآخرين والفرق بينها في غاية الدّقّة لانّ التوكّل أخذ الله وكيلا في أمورك ، والتّسليم عرض أمورك عليه ، والتّفويض الخروج من نسبة الأمور بل من نسبة الانانيّة الى نفسك ، ففي التّسليم تبجيل ليس في التّوكيل ، وفي التّفويض تبجيل لا يدع للمفوّض التفاتا الى التّبجيل أيضا (إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللهُ) جواب لسؤال مقدّر (فَلا غالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ) اى بعد خذلانه (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) تخلّل الفاء بين العامل والمعمول مع صدارتهما امّا بتقدير امّا أو بتوهّمه ، أو لفظة الفاء في أمثاله زائدة ، أو العامل محذوف بقرينة المذكور (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) تخلّل كان لتأكيد النّفى والمعنى ما وجد لأحد من الأنبياء الغلول لمنافاة النبوّة والخيانة وقرئ يغلّ بصيغة المعلوم من الثّلاثىّ وبصيغة المجهول امّا من باب الأفعال بمعنى ما ينبغي لأحد من الأنبياء ان ينسب الى الخيانة من أغلّه نسبه الى الخيانة ، أو بمعنى ان يخان معه من أغلّه بمعنى غلّه ، أو من الثّلاثىّ ، والجملة امّا مقطوعة عن سابقتها على ما ورد انّها نزلت في قطيفة حمراء فقدت يوم بدر من المغنم فقال بعضهم : لعلّ النّبىّ (ص) أخذها ، ونسب الى الصّادق (ع) انّ رضا النّاس لا بملك وألسنتهم لا تضبط الم ينسبوا يوم بدر الى رسول الله (ص) انّه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء حتّى أظهره الله على القطيفة وبرّء نبيّه