(لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ) في اللّوح المحفوظ أو فرض (عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ) ومصارعهم لم ينفعهم التّحصّن ، أو المعنى قل لهم ايّها المضطربون الشّاكّون : لو كنتم في بيوتكم لبرز المؤمنون الّذين فرض الله عليهم القتال الى مضاجعهم (وَ) فعل ذلك الخروج والقتال والمقتوليّة والمغلوبيّة بكم (لِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ) ويمتحنه حتّى يظهر كونه فاسدا غير موافق لما في اللّسان (وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ) لمّا كان الصّدر يطلق على النّفس باعتبار جهتها السّفليّة والقلب يطلق عليها باعتبار جهتها الى القلب الحقيقىّ نسب الابتلاء الّذى هو استعلام حال الرّدىّ وإظهار ردائته الى الصّدر والتّمحيص الّذى هو تخليص الجيّد من الرّدىّ والصّحيح من الفاسد الى القلب لانّ صدر المنافق لا يكون فيه الّا النّفاق والفاسد من العقائد وما لم ينقطع الفطرة الانسانيّة منه ولم يرتدّ فطريّا لا يخلو قلبه من امر حقّ ولو كان اجماليّا (وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) فلا يكون الامتحان منه لاستعلام الممتحن كامتحان الجاهلين بل لاستكمال الممتحن أو ظهور حاله على معاشريه ممّن لم يعلم حاله أو استنزاله (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ) جواب لسؤال مقدّر عن حال المتولّين عن القتال ولمّا ذمّهم الله تعالى بأبلغ ذمّ وصار الاعتذار عنهم باستزلال الشّيطان والعفو عنهم محلّا للّشكّ أتى في الجواب بتأكيدات فقال : انّ الّذين تولّوا منكم (يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ) جمع المؤمنين وجمع المشركين في أحد (إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ) طلب زلّتهم أو أزلّهم (الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) من ذنوبهم السّالفة وقيل : من خلافهم لقول الرّسول وتركهم مراكزهم وقيل : بذكر بعض ما كسبوا فكرهوا القتال لئلّا يقتلوا قبل التّوبة وهما ينافيان ما وقع من فرار الكلّ وانّ الفارّين أكثرهم كانوا منافقين غافلين من المعصية بل غير عادّين المعصية معصية وقد ذكر انّه لم يبق يوم أحد مع النّبىّ (ص) الّا ثلاثة عشر نفرا خمسة من المهاجرين وثمانية من الأنصار وكان المهاجرون عليّا وأبا بكر وطلحة وعبد الرّحمن بن عوف وسعد بن ابى وقّاص وقد اختلف في الجميع الّا في علىّ وطلحة ، وروى عن عمر بن الخطّاب انّه قال ورأيتنى اصعد في الجبل أردى ولم يرجع عثمان من الهزيمة الّا بعد ثلاث (وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ) لمّا تابوا واعتذروا كرّر ذكر العفو تطميعا وترغيبا للمذنبين في العفو ومنعا لهم عن اليأس وتحسينا لظنون المؤمنين (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ) يغفر لمن يعترف ويندم (حَلِيمٌ) لا يعاجل بالمؤاخذة انتظارا للتّوبة وإتماما للحجّة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا) كفر نفاق أو مطلقا (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ) اى لأجل إخوانهم وفي حقّهم ومعنى اخوّتهم مناسبتهم لهم في النّفاق وضعف الاعتقاد أو الكفر (إِذا ضَرَبُوا) اى الاخوان (فِي الْأَرْضِ) سافروا للتّجارة وغيرها ولم يقل إذ ضربوا بلفظ إذ الّتى هي للماضي لتصوير الماضي حالا حاضرا (أَوْ كانُوا غُزًّى) غازين (لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ) متعلّق بقالوا (وَاللهُ يُحْيِي) اى يحدث الحيوة في النّطفة الّتى لا حيوة لها ويبقيها في الحيوة لا الاقامة في البيوت (وَيُمِيتُ) لا السّفر والغزاء (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) ترغيب وترهيب (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ) في سبيله (لَمَغْفِرَةٌ) عظيمة (مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ) عظيمة حاصلة لكم (خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) اى هؤلاء المنافقون أو الكفّار أو سائر النّاس من حطام الدّنيا واعراضها في الحيوة الدّنيا