الإنسان بتلك الأوضاع ، وفي انّ كلّا من هذه الحكم ودقائق الصّنع في السّماوات والأرض راجع الى الإنسان ونافع له ، وفي انّ الإنسان الّذى هو غاية الكلّ لا بقاء له ببدنه وحيوته الحيوانيّة وانّ الغاية ليست انتفاع الإنسان من حيث حيوته الحيوانيّة الفانية فلا بدّ ان يكون المقصود غير هذه الحيوة وان يكون بعد هذه الحيوة حيوة أشرف وأتمّ وأكمل من هذه الحيوة أو عذاب أتمّ وأبقى واشدّ من هذا العذاب فيتضرّع عليه تعالى ويلتجئ اليه ويسأله ان يحفظه من عذاب ما بعد هذه الحيوة وان يوصله الى حيوة أتمّ ويقول (رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا) المخلوق من السّماوات والأرض وما فيهما (باطِلاً) غير منته الى غاية وغير مندرج فيه حكم ومصالح كما يقوله الدّهرىّ والطّبيعىّ ، ومنها التّفكّر في اعماله وأقواله وانّها من اىّ مصدر صدرت والى اىّ غاية ترجع فيحترز ممّا يصدر من مصدر غير إلهيّ أو يرجع الى غاية غير انسانيّة ، ومنها التّفكّر في خطراته وخيالاته وانّها من اىّ مصدر والى اىّ غاية ، ومنها التّفكّر في صفاته وأخلاقه وانّها من اىّ دار ، ومنها التّفكّر في آيات الله ونعمه في السّماوات والأراضي في العالم الصّغير والكبير ، ومنها التّفكّر في صفاته الاضافيّة وخصوصا جبّاريّته تعالى وانّه ما أخذ من موجودات هذا العالم شيئا الا واعطى خيرا منها أو مثلها ، وانّه ما ينسخ من آية أو ينسها يأت بخير منها أو مثلها كما يشاهد من حال الإنسان من اوّل تكوّنه من مادّة الغذاء ووصوله الى الانسانيّة وانسلاخه كلّ آن من لباس وصورة وتصوّره بصورة أكمل وأشرف الى أوان بلوغه ورشده ، ومنها التّفكّر في الذّكر المأخوذ من صاحب الاجازة وفيما يستعقبه من الواردات والاستبصارات والوجدانيّات الذّوقيّات والمشاهدات واليه أشار المولوىّ قدسسره بقوله :
فكر آن باشد كه بگشايد رهى |
|
راه آن باشد كه پيش آيد شهى |
ومنها التّفكّر في الفكر المصطلح للصّوفيّة وهو تمثّل شيخ السّالك عنده من قوّة اشتغاله بذكره بحيث لا يرى فيما يرى غيره وبحيث يطّلع تدريجا على تصرّفاته في ملكه وفي ملك العالم الكبير ، وهذا الفكر هو غاية الغايات ونهاية الطّلبات وهو السّكينة القرينة بالنّصر والتّأييد وهو الرّيح الفائحة من الجنّة لها وجه كوجه الإنسان وهو الامام الظّاهر في العالم الصّغير وأشرقت الأرض بنور ربّها اشارة اليه ويوم تبدّل الأرض غير الأرض بظهوره ، واليه أشار الشّيخ الكامل قدسسره بقوله :
كرد شهنشاه عشق در حرم دل ظهور |
|
قد ز ميان برفراشت رأيت الله نور |
والمنظور من قوله تعالى : (كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) هذه المعيّة ، وابتغوا اليه الوسيلة حقيقتها هذه الوسيلة ، وكيف مدّ الظّلّ بيانه هذا الظّلّ.
كيف مدّ الظّل نقش اولياست |
|
كو دليل نور خورشيد خداست |
دامن أو گير زو تر بيگمان |
|
تا رهى از آفت آخر زمان |
اندر اين وادي مرو بى اين دليل |
|
لا احبّ الآفلين گو چون خليل |
وإذا وصل السّالكون الى شيخهم يقولون حالا وقالا (سُبْحانَكَ) اللهمّ من معرفة أمثالنا ووصول أشباهنا الى ساحة جلالك وعمّا يتصوّره المتصوّرون ويظهر عليهم عالم الظّلمة والنّور ويذوقون ويشاهدون آلام دار الفتنة والغرور ، ولذّات نعيم الجنان وراحات دار السّرور ، ويعرفون انّ الإنسان برزخ بين الجحيم والجنان «ف» يستعيذون بربّهم من النّيران ويقولون (فَقِنا عَذابَ النَّارِ) منادين لربّهم متضرّعين عليه بقولهم