(رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) اعترافا بانّ إدخال النّار ليس الّا بحكمه (وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ) وضعوا الظّاهر موضع المضمر اشعارا بانّ فعله تعالى ليس جزافا وليس إدخال الدّاخلين في النّار الّا لظلمهم وذلك أيضا سبب انتفاء النّصرة عنهم ، ويجوز ان يكون هذه الجملة من كلام الله معترضة أو معطوفة على قولهم ثمّ يستبصرون بمساويهم اللّازمة لذواتهم من انانيّاتهم ولوازمها فيستظهرون بالايمان الّذين به يغفر الذّنوب ويستر ويذكرونه مقدّمة لسؤال المغفرة منادين لربّهم مستغيثين به (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً) من وجودنا هو العقل الّذى يدعونا الى التّسليم والانقياد ومناديا من خارج وجودنا هو نبىّ عصرنا وخليفته (يُنادِي) عبادك (لِلْإِيمانِ) لأجل الايمان أو الى الايمان (أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ) «ف» أجبناه و (فَآمَنَّا) بك والتجأنا إليك وحصّلنا مادّة الغفران الّتى هي الايمان (رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا) واستر علينا وعلى غيرنا آثامنا الّتى لها تبعات ومشاهدتها وتذكرتها تستتبع عقوبة وألما (وَكَفِّرْ) اى أزل (عَنَّا سَيِّئاتِنا) جمع السيّئة من ساء بمعنى قبح والفرق بين الذّنب والسيّئة بالشدّة والضّعف فانّ الذّنب هو السيّئة الّتى هي بنفسها توذي الانسانيّة ولها تبعة وعقوبة هي أيضا تؤذي والسيّئة هي الذّنب الّذى هو بنفسه يؤذى الانسانيّة من دون تبعة له ولذلك نسب الغفران الى الذّنوب والتّكفير الّذى هو بمعنى الازالة الى السيّئات ، ويستعمل كلّ في كلّ (وَ) بعد غفران ذنوبنا وتكفير سيّئاتنا (تَوَفَّنا) اى خذ بجميع فعليّاتنا (مَعَ الْأَبْرارِ) ظرف مستقرّ حال عن المفعول أو ظرف لغو متعلّق بتوفّنا ، والأبرار جمع البرّ بمعنى المحسن الى الخلق مقابل المسيء إليهم ، أو بمعنى المحسن في حاله وهو المراد هاهنا كما سيأتى الاشارة اليه ، ثمّ التجأوا اليه بعد ما سألوه التّوفّى والافناء التامّ ونادوه متضرّعين اليه وسألوه البقاء التّامّ بعد الفناء وقالوا : (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا) من الاستخلاف في الأرض والبقاء بخلافتك والتّمكين في الدّين وتبديل الخوف بالأمن كما قلت : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ) قالا ولا حالا ولا شهودا بى شيئا (عَلى رُسُلِكَ) هذه الكلمة مجملة محتاجة الى تقدير مضاف فهو امّا متعلّق بوعدتنا فالتّقدير آتنا ما وعدتنا على السنة رسلك أو متعلّق بآتنا فالتّقدير آتنا ما وعدتنا على طريقة رسلك ، اى طريقة إعطاء رسلك من كمال البقاء في الكثرات بحيث لا تهمل شيئا من حقوق الكثرات ومن لحاظ التّوحيد بحيث لا يشغلنا شأن التّوحيد عن شأن التّكثير ولا شأن التّكثير عن شأن التّوحيد ، وانّما سألوه ما وعده تعالى والحال أنّه لا خلف لوعده خوفا من تقصيرهم فيما يعدّهم لوعده فالسّؤال لجبران التّقصير في الاعداد لا لمحض التعبّد كما قاله مفسّروا العامّة (وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ) لا تفضحنا ببقاء نقيصة حتّى يظهر تلك النّقيصة فنفتضح بها (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) استيناف في مقام التّعليل ، أو جواب للسّؤال عن حاله تعالى مع العباد.
اعلم انّ الإنسان ما لم يصر بذاته وأفعاله ذا لبّ بتلقيح التّوبة والبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة بقبول الولاية ، كان كاللّوز والجوز والفستق الخاليات من اللّب ولا اعتداد به ولا قرب له عند الله ولو أجهد نفسه في عبادة الله بقيام اللّيل وصيام النّهار طول عمره لأكبّه الله في النّار ، وإذا صار ذا لبّ بقبول الولاية وقبول