بأسياف الأعداء الظّاهرة أو من انانيّاتهم (لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) لازيلنّ عنهم انانيّاتهم ولوازم انانيّاتهم من السّيّئات القالبيّة (وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) اى من تحت أشجارها أو عماراتها أو قطعها.
اعلم انّ إضافات الحقّ الاوّل تعالى ليست اعتباريّة بل إضافات حقيقيّة اشراقيّة يعبّر عنها بالأنهار وكلّ مرتبة من العاليات محلّ لظهور إضافاته فيها وبروزها منها الى غيرها ، وجهتها الّتى تلى الحقّ الواجب تعالى عالية ومحيطة بالجهة الّتى تلى الخلق ، وبروز إضافاته تعالى الى الخلق من الجهة الّتى تلى الخلق فصحّ ان يقال : انّ الأنهار الجارية الى الخلق جارية من تحت تلك المراتب الّتى هي الجنان بوجه (ثَواباً) اى جزاء مفعول مطلق من غير لفظ الفعل أو مفعول له أو التّقدير إدخال ثواب أو هو حال من الفاعل أو المفعول اى حالكونهم مجزيّين (مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) عطف أو حال فيه تحسين للثّواب الّذى من عند الله تشريفا لهم ؛ روى انّ الآية نزلت في علىّ (ع) حين هاجر من مكّة ومعه الفواطم ، فاطمة بنت أسد وفاطمة بنت رسول الله (ص) وفاطمة بنت الزّبير وقد قارع الفرسان من قريش حين جاؤا من عقبه ليمنعوه فسار ظاهرا قاهرا حتّى نزل ضجنان فلزم بها يوما وليلة ولحق به نفر من ضعفاء المؤمنين وفيهم امّ أيمن مولاة رسول الله (ص) وكان يصلّى ليلته تلك هو والفواطم ويذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم فلم يزالوا كذلك حتّى طلع الفجر فصلّى بهم صلوة الفجر ثمّ سار لوجهه فجعل هو وهنّ يصنعون ذلك منزلا بعد منزل يعبدون الله عزوجل ويرغبون اليه كذلك حتّى قدم المدينة وقد نزل الوحي بما كان من شأنهم قبل قدومهم (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ) الى قوله (مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى) ؛ الذّكر علىّ (ع) والأنثى الفواطم ، وتلك الآيات بل جميع الآيات القرآنيّة ان كان نزولها خاصّا فهي جارية في كلّ من اتّصف بالصّفات المذكورة فيها (لا يَغُرَّنَّكَ) مقطوع عن سابقه ودفع لتوهّم نشأ من قوله (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) من انّه كيف لا يضاع عمل العاملين والحال انّ المؤمنين مع كمال طاعتهم في ضيق من العيش وبلاء كثير والكافرون والمنافقون مع عدم طاعتهم في سعة من العيش وراحة من البلاء والخطاب خاصّ بالنّبىّ (ص) على طريق ايّاك اعنى واسمعي يا جارة ، أو عامّ لكلّ من يتأتّى منه الخطاب ، وروى انّ بعضهم تفوّهوا بهذا الوهم بعد ما كانوا يرون المشركين في رخاء ولين عيش فيقولون : أعداء الله فيما نرى من الخير وقد هلكنا من الجوع فنزل لا يغرنّك (تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ) التقلّب كناية عن سعتهم وراحتهم وتجاراتهم الرّابحة وتمكّنهم ممّا أرادوا ، ذلك التقلّب (مَتاعٌ قَلِيلٌ) جواب سؤال محذوف في مقام التّعليل وخبر مبتدء محذوف أو مبتدء خبر محذوف اى فيه متاع قليل والمتاع بمعناه المصدرىّ أو بمعنى ما به التّمتّع وقلّته عبارة عن قلّة ما به التّمتّع في الدّنيا أو عن قلّة مدّة التّمتّع فيها ، فانّ جميع الدّنيا في جنب الآخرة مثل ما يجعل أحد إصبعه في اليمّ كما في الخبر ، ومدّة الدّنيا في جنب الدّهر ليست الّا مثل ذلك (ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) ولا مدى له ولا شدّة مثل شدّته (وَبِئْسَ الْمِهادُ) جهنّم والمهاد كالمهد ما يهيّئ للصّبىّ وراحته ونومه واستعماله هنا للتّهكّم (لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ) استدراك ممّا استفيد من قوله (تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فانّه يستفاد منه انّ الكفّار متنعّمون دون المؤمنين فقال لكنّ المؤمنين لهم جنّات (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها) من غير زوال (نُزُلاً) تشريفا لهم والنّزل ما يعدّ للنّازل من طعام وشراب وصلة مثلا