شيخة بحسب نورانيّته أدمنا أو اذهب بنا على الطّريق ، وبهذه الاعتبارات اختلفت الاخبار في تفسير (اهْدِنَا) ولمّا كان السّلوك على الصّراط المستقيم الانسانىّ لا يحصل الّا بالولاية والولاية هي النّعمة الحقيقيّة وبها يصير الإسلام نعمة أبدل تعالى عنه قوله تعالى (صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) فانّ الانعام للإنسان ايتائه ما يلايم انسانيّته والملايم لانسانيّته هي الولاية المخرجة له الى فعليّاته الانسانيّة ، والفعليّات الانسانيّة من مراتب الولاية والآثار الصّادرة واللّازمة من فعليّاته الانسانيّة من التّوسط في الأمور المذكورة وهكذا الأعمال المعيّنة على الخروج المذكور انّما هي نعمة باعتبار اتّصالها بالنّعمة الّتى هي الولاية ولذلك ورد عن مولينا أمير المؤمنين (ع) في تفسيره انّه قال : قولوا اهدنا صراط الّذين أنعمت عليهم بالتّوفيق لدينك وطاعتك لا بالمال والصحّة فانّهم قد يكونون كفّارا أو فسّاقا قال وهم الّذين قال الله تعالى (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) الى قوله (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً). والنّعم الصوريّة ان كانت مرتبطة بالولاية كانت نعمة والّا صارت نقمة إذا كانت معيّنة على الخروج الى الفعليّات الغير الانسانيّة وهكذا كان حال الفعليّات الانسانيّة بعد ما حصلت بالولاية يعنى إذا صارت مسخّرة للشّيطان بعد ما كانت مسخّرة للرّحمن صارت نقمة بعد ما كانت نعمة ، ولمّا كان المنعم عليهم بالولاية هم المتوسّطين بين التفريط والتقصير في ترك الولاية والإفراط المخرج عن حدّ الولاية وصراطهم كان متوسّطا بين التّفريط والإفراط في جملة الأمور وصفهم بقوله (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ) فانّه قد فسّر المغضوب عليهم بالمفرّطين المقصّرين والضّالّون بالمفرطين المتجاوزين لانّ المفرّط المقصّر لمّا لم يبلغ الى الولاية لم يصر مرضيّا أصلا والمفرط في امر الولاية لمّا صار بالوصول الى حدّ الولاية مرضيّا خرج من المغضوبيّة لكنّه بتجاوزه عن حدّ الولاية ضلّ عن طريق الانسانيّة وعن طريق الرّضا فانّ المعيار للرّضا والغضب وللإفراط والتّفريط هو الولاية لا غير لانّها حدّ استقامة الإنسان وسبب ارتضائه وقد يفسّر (الْمَغْضُوبِ) عليهم بمن لم يبلغ في وصفه مقام النّبىّ (ص) أو الامام (ع) والضّالّ بمن وصفهما بما هو فوق إدراكه أو فوق مقامهما وبهذا المعنى فسّرا باليهود والنّصارى وان كان يجوز ان يكون تفسيرهما باليهود والنّصارى باعتبار المعنى الاوّل ويجوز ان يجعل عطف الضّالّين من قبيل عطف الأوصاف المتعدّدة لذات واحدة فانّ المفرّط والمفرط كليهما مغضوب عليهما وضالّان بمعنى انّهما فاقدان للطّريق سواء كان الفقدان بعد الوجدان أو قبل الوجدان ، وقد يفسّر (الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ) بالنّصاب لشدّة غضب الله عليهم «والضّالّون» بمن لم يعرف الامام وبمن كان شاكّا فيه.
اعلم انّ السّورة المباركة تعليم للعباد كيف يحمدون ويثنون على الله تعالى وكيف يقرؤن ويرتقون في قراءتهم وكيف يخاطبون ويسألون فالأمر بالاستعاذة في اوّل القراءة للاشارة الى انّ الإنسان واقع بين تصرّف الرّحمن والشّيطان الّا من عصمه الله فاذا أراد القرائة أو الثّناء على الله والمناجاة له ينبغي ان يستعيذ من تصرّف الشّيطان ويلتجئ الى حفظ الله وامانه حتّى لا يكمن الشّيطان خلف قلبه ولا يخلى ألفاظ ثنائه ومقرّواته من معانيها المقصودة لله ولا يدخل فيها المعاني الشّيطانيّة فيصير الحامد حامدا للشّيطان وقاريا لكتاب الشّيطان وهو يحسب انّه حامد لله وقار لكتاب الله ويكون داخلا في مصداق قوله تعالى (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ) يعنى لا لسان الله بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب فلا بدّ للمستعيذ ان يكون ملتفتا الى ما يقول ويجعل حاله حال الاستعاذة من الشّيطان والّا كان استعاذته كقراءته بتصرّف الشّيطان واستعاذة من الرّحمن لا الى الرّحمن وجعل التسميّة