وقد يسعى بفطرته ولذلك أتى بالشّرطيّة الاولى كليّة وبالثّانية مهملة (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) مفعول شاء محذوف بقرينة الجواب ومثله كثير في كلامهم لا يذكر المفعول الّا قليلا وقد مضى وجه افراد السّمع والمعنى لو شاء الله ان يذهب بسمعهم بالصّاعقة وببصرهم بوميض البرق ، أو لو شاء الله ان يذهب بسمعهم حتّى لا يسمعوا صوت الرّعد والصّاعقة ، أو المعنى لو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم حتّى لا يسمعوا كلمات التّهديد والوعيد ، ولا يبصروا آيات الله الدّالة على حقّيّته وحقيّة نبيّه على ان يكون الالتفات الى الممثّل له ويكون الضّمائر راجعة الى المنافقين والجملة عطف على الشّرطيّة السّابقة أو حال أو مستأنفة على تجويز إتيان الواو للاستيناف (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) استيناف لتعليل السّابق والشّيء من المفاهيم العامّة الشّاملة للواجب والممكن ولا اختصاص له بالممكن وعلى هذا فعمومه مخصّص بما سوى الواجب تعالى ، والقدرة فسّرت بصحّة الفعل والتّرك وهذا للمتكلّمين ، ولا يصحّ تفسير قدرة الله به لانّه يلزم منه ان يكون نسبة الأفعال اليه تعالى بالإمكان والحال انّ واجب الوجود بالذّاب واجب من جميع الجهات كما حقّق في محلّه ، وفسّرت بكون الفاعل في ذاته ان شاء فعل وان لم يشأ لم يفعل ؛ وهذا يعمّ قدرة الواجب والممكن لعدم اقتضاء الشّرطية إمكان وضع المقدّم بل تصحّ مع ضرورة وضع المقدّم وإمكانه ، ولمّا انساق ذكر الكتاب الى فرق النّاس من المتّقين وما هم عليه وما هو لهم ، ومن الكفّار وما هم عليه وما هو عليهم ، ومن المنافقين وما هم عليه وما هو عليهم عقّب ذلك بالأمر بالعبادة المستعقبة للتّقوى المستعقبة لما ذكر للمتّقين كأنّه نتيجة له وفرع على ذكر الفرق وما لهم وما عليهم وصدّر الكلام بالنّداء تهييجا لنشاط السّامع بلذّة المخاطبة اهتماما بشأن العبادة وعدل عن الغيبة الى الخطاب بطريق الالتفات في الكلام تجديد لنشاطه في العبادة فقال :
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) صيروا عبيدا له بالخروج من رقيّة أنفسكم وأهويتها أو افعلوا له فعل العبيد لمواليهم بان لا يكون حركاتكم الّا من امره ونهيه أو افعلوا صورة ما جعله الله افعال عبيده من الأعمال المقرّرة في الشّريعة ، والرّب قد يطلق ويراد به ربّ الأرباب اى الواجب الوجود بالذّات وهو المعبود على الإطلاق ، وقد يطلق ويراد به الرّبّ المضاف وهو علويّة على (ع) فانّه ظهور الرّبّ المطلق وعنوانه وما يخبر به عنه فانّه تعالى شأنه من غير هذا الظّهور والعنوان لا خبر عنه ولا اسم ولا رسم فلا يعبد ، وامّا بعد ظهوره بهذا العنوان فهو يدرك ويخبر عنه ويعبد ، وهذا العنوان لكونه ظهورا للرّبّ المطلق ومضافا الى الخلق يسمّى بالرّبّ المضاف وقد ورد في بيان قوله تعالى (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) انّ المراد به الرّبّ المضاف وهو علىّ (ع) ولا يبعد ان يراد بالرّبّ هنا الرّبّ هنا الرّبّ المضاف ولا ينافيه التّوصيف بالخالقيّة لانّه واسطة خلق الخلق كما ورد خلق الله الأشياء بالمشيّة والمشيّة بنفسها ، وعلويّة علىّ (ع) هي المشيّة ، وإذا أريد الرّبّ المضاف فالمراد بالعبادة عبادة الطّاعة ، وقد يطلق الرّبّ ويراد به ما يسمّونه ربّا من الله والأصنام والكواكب والسّلاطين (الَّذِي خَلَقَكُمْ) التّوصيف لتعليل الأمر لا لتقييد الرّبّ على المعنى الثّالث للرّبّ والتعليل جميعا (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) استيناف بيانىّ لبيان علّة الأمر بالعبادة أو علّة العبادة أو علّة الخلق وفي تفسير الامام (ع) اشارة الى تعدّد الوجوه وورد في كثير من الاخبار عنهم للآيات تفاسير مختلفة ونقل عنهم في بعض الآيات وجوه عديدة وهذا من سعة وجوه القرآن ومن باب صحّة الحمل على الكلّ بحسب المقام المقتضى لكلّ ، وما نقل انّ القرآن ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه ؛ لا ينافي اختلاف التّفاسير ، فانّ المقصود