التأبيدىّ حتّى لا يتوهّم متوهمّ إمكانه فقال (وَلَنْ تَفْعَلُوا) وأبدل عن الإتيان المقيّد بالسّورة من مثله ودعاء الشّهداء من دون الله بالفعل الّذى يكنّى به عن الكلّ ايجازا وحذرا من التّكرار والحذف ونظم الكلام مشتملا على بيان المرام ان يقال ان كنتم في ريب من القرآن وانّه منزل من عند الله ، أو ان أنكرتم القرآن وانّه منزل من عند الله وقلتم انّ محمّدا (ص) تقوّله من عند نفسه أو تعلّمه من بشر مثله فان كنتم صادقين في دعوى الرّيب من أنفسكم أو في انكار القرآن وإقرار تقوّله من عند البشر يجز لكم الإتيان بمثله وخصوصا من الخطباء البلغاء مع تعاون الشّهداء ، فأتوا لمعارضته وابطال حقّيّته وابطال دعوى رسالة الآتي به بسورة من مثله [وادعوا شهدائكم من دون الله ،] فانّ المراد بتعليق الجزاء في مثل مقام التّحدّى والتّعجيز تعليق جواز الجزاء وإمكانه حتّى يرتفع برفع فعليّته إمكانه وجوازه ، فان لم تقدروا على ان تأتوا بسورة مثله مع تعاون الشّهداء واهتمامكم وجهدكم في معارضته وإبطاله تعلموا صدقه ، والاعتراض بجملة [لن تفعلوا] دليل أيضا على انّ المراد نفى الإمكان والقدرة فلا يرد عليه أنّ عدم الفعل لعلّه لعدم الاعتناء بالمعارضة لا لعدم القدرة حتّى يستلزم صدق القرآن وصدق الآتي به ، وإذا علمتم صدق القرآن وصدق الآتي به (فَاتَّقُوا النَّارَ) فهو من اقامة المسبّب مقام الجزاء والمعنى فاتّقوا مخالفتهما الّتى هي سبب لدخول النّار فهو أيضا من اقامة المسبّب مقام السّبب ، أو فاتّقوا بسبب متابعتهما النّار (الَّتِي وَقُودُهَا) التّوصيف للتّهويل وتأكيد التحذير ، والوقود بالفتح اسم مصدر لما يوقد به النّار وبالضّمّ مصدر ، وقيل الوقود بالفتح مصدر وبالضّمّ اسم للمصدر وقرء بالضمّ فان كان مصدرا كان التّقدير سبب وقودها (النَّاسُ وَالْحِجارَةُ) أو وقودها احتراق النّاس والحجارة والاوّل أبلغ في مقام التّهويل لانّه يدلّ على أنّ نار الآخرة في الشّدّة بحيث يكون ما توقد به النّاس والحجارة الّذين لا يتأثّر ان الّا بالنّار الموقدة الشّديدة ، والحجارة جمع الحجر كالجمالة جمع الجمل وهو قليل غير مقيس (أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) حال بتقدير قد أو مستأنف لجواب سؤال عن حالها.
(وَبَشِّرِ) عطف على الجملة السّابقة باعتبار المعنى كأنّه قيل أنذر الّذين أنكروا القرآن بعد وضوح حجيّته بالنّار وبشّر (الَّذِينَ آمَنُوا) اى أقرّوا بالقرآن وأذعنوا به أو آمنوا بالله بالايمان العامّ أو بالايمان الخاصّ المستلزم كلّ واحد منهما الإقرار بحقّيّة القرآن أو عطف على قوله : (فَاتَّقُوا النَّارَ) ؛ فانّ وضوح حقّيّته كما يستلزم تهديد منكره يستلزم تبشير مقرّه كأنّه قال فان لم تفعلوا فاتّقوا النّار وبشّر الّذين آمنوا ، والخطاب خاصّ بمحمّد (ص) أو عامّ لكلّ من يتأتّى منه الخطاب (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) ان كان المراد بالايمان الايمان العامّ فالمقصود من العمل الصّالح الايمان الخاصّ الّذى يحصل بالبيعة الخاصّة الولويّة وقبول الدّعوة الباطنة ، وان كان المراد بالايمان الايمان الخاصّ فالمراد بالعمل الصّالح الإتيان بما أخذ عليه في ميثاقه والوفاء بعهده (أَنَّ لَهُمْ) بأنّ لهم (جَنَّاتٍ) جمع الجنّة وهي البستان (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) من تحت أشجارها ، أو من تحت عماراتها ، أو من تحت قطعها ، والأنهار جمع النّهر والنّهر فوق الجدول ودون البحر (كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً) الجملة صفة بعد صفة أو حال عن الضّمير المجرور باللّام أو عن الجنّات أو مستأنفة لبيان حالهم وحال ما في الجنّات ، والرّزق اسم مصدر بمعنى المرزوق وهو أعمّ ممّا يستكمل