غير متجاوز عنها لا يعرفون من اطلاق الاسم سوى اللّفظ والنّقش لغفلتهم عن حصول مفهوم من المسمّى في الذّهن فضلا عن اعتبار الاسميّة له ، ولاحتجابهم عن دلالة الأعيان على غيرها وعن كونها مرايا للحقّ الاوّل تعالى ، والاسم من حيث الاسميّة وكونه عنوانا ومرآة للمسمّى لا حكم له بل الحكم بهذا الاعتبار للمسمّى ، وقد يعتبر الاسم من حيث نفسه من غير اعتباره مرآة لغيره وله بهذا الاعتبار حكم في نفسه ويحكم عليه وبه ، والاخبار الدّالّة على انّ عابد الاسم كافر وعابد الاسم والمعنى مشرك وعابد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته الّتى وصف بها نفسه موحدّ ناظرة الى الأسماء العينيّة أو الموهومات الذّهنيّة ومشيرة الى هذين الاعتبارين ، وقوله تعالى : (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ) ؛ اشارة الى هذين أيضا يعنى ما جعلتموها معبودات أو مطاعين ليست الّا أسماء لا ينبغي ان ينظر إليها ويحكم عليها أنتم وآباؤكم جعلتموها مسمّيات ومنظورا إليها ومحكوما عليها بالمعبوديّة أو المطاعيّة ما أنزل الله بها من ذلك الاعتبار سلطانا وحجّة وتعليم الشّيء إعطاء العلم له سواء كان بنحو الاعداد والتّسبيب كالتّعليم البشرىّ أو بنحو الافاضة كتعليم الله تعالى وعلم الشيء ظهوره على النّفس بنفسه كالعلم الحضورىّ أو بصورته الحاصلة في النّفس ، أو في عالم المثال ، أو في ربّ النّوع على الاختلاف فيه كالعلم الحصولىّ سواء كان بالّشعور البسيط أو بالشّعور التركيبىّ فمعنى علّم آدم الأسماء كلّها أفاض وأودع علم الموجودات وصورة كلّ منها وأنموذجه من حيث هي أسماء ومرايا للحقّ تعالى شأنه لا من حيث هي مسميّات لعدم تحدّد آدم بحدّ حتّى يصير واقفا في ذلك الحدّ ويكون المعلوم في ذلك الحدّ مستقلا عنده في الوجود ومسمّى لا اسما لغيره فالتّعبير عن الموجودات بالأسماء للاشعار بعدم وقوف آدم (ع) دون الوصول الى الله والتّأكيد بلفظ كلّها للاشارة الى انّ الجميع مودعة في وجود آدم بحيث لا يشذّ عن حيطة وجوده شيء من الأشياء ، وما قلنا انّه أودع صورة الأشياء وأنموذجها انّما هو بحسب أفهام العوامّ والّا فحقيقة كلّ شيء عند آدم عليهالسلام والأشياء كلّها دقائق للحقائق الّتى أودعها الله تعالى في آدم (ع) ، ولمّا كان الملائكة متحددين وكان الأشياء بالنّسبة إليهم متحدّدة ومحكوما عليها بوجه جعلها تعالى في معرض العرض على الملائكة للاشعار بمحدوديتّهم في صورة المسميّات المستقلّات من غير اعتبار الاسميّة لها بإرجاع ضمير ذوي العقول إليها تغليبا أو باعتبار كون الأشياء بالنّسبة اليه تعالى عقلاء فانّ إرجاع الضّمير الى الأسماء واعتبار كونها عقلاء إسقاط لاعتبار الاسميّة لها بخلاف إيقاع العلم على الأسماء بعنوان الاسميّة فقال (ثُمَّ عَرَضَهُمْ) اى عرض الأسماء كما عرفت فلا حاجة الى تكلّف إرجاع الضّمير الى المسميّات المفهومة بالالتزام بل تكلّف إرجاع الضّمير الى المسميّات يذهب باللّطائف المودعة في تعليق الفعل على الأسماء وإرجاع ضمير ذوي العقول إليها كما عرفت (عَلَى الْمَلائِكَةِ) اى ملائكة الأرض لانّهم المستغربون خلافة آدم (ع) أو على الجميع ليظهر على الجميع سعة آدم (ع) واحاطته واستحقاقه الخلافة على جميعهم فانّ المقرّبين من الملائكة وان كانوا محيطين عالمين من آدم (ع) ظاهره وباطنه وما فيه بالفعل وما فيه بالقوّة لكنّ حقائق الأسماء الإلهيّة الّتى هي في مقام المشيّة مختفية عليهم مع انّ آدم (ع) بعلويّته عالم بها جامع لها وبتلك الحقائق يستحقّ الخلافة عليهم وباعتبار ذلك المقام ورد عنهم (ع) على ما نسب إليهم : روح القدس في جنان الصاقورة ذاق من حدائقنا الباكورة ، وورد انّ جبرئيل (ع) قال لمحمّد (ص) ليلة المعراج : لو دنوت أنملة لاحترقت ، والمراد بالعرض عليهم إظهار حقائقهم في العود الى الله لا في النّزول من الله ولذا كان ذلك العرض بعد تعليم آدم (ع) جميع الأسماء فانّ للأشياء بواسطة عروج آدم (ع) عروجا بأنفسها في صراط الإنسان مضافا الى عروج أسمائها