بنيابة الأموات فقد اشتهر العمل به ونيابة الحجّ من حىّ عاجز أو قادر أو ميّت كثر الاخبار بها وأجمعوا على صحّتها وعملوا بها لكن لم يبيّنوا كيف ينبغي ان يكون القصد فيها حتّى لا يكون المأخوذ اجرة على العبادة واشتراء بآيات الله ثمنا قليلا ، والقاضي إذا اجازه الامام أو نائبه للقضاء عموما أو خصوصا وجلس في مجلس القضاء بأمر الامام الّذى هو أمر الله ولم يكن الدّاعى له الى القضاء سوى الأمر كان حافظا لآية الله فانّ القضاء آية الأمر به ، والأمر آية الآمر ، والآمر آية الله ، وان كان الدّاعى له التّقرّب الى الله أو الى الامام أو طلب رضا كلّ أو الإصلاح بين النّاس أو رفع الخصومات أو احقاق الحقوق أو رفع الظّلم وحفظ المظلوم أو اجراء احكام الله وحدوده أو أمثال ذلك من الأغراض الصّحيحة كان مستبدلا بآية الله ثمنا قليلا ، وان كان الدّاعى له التّرأس على العباد والتّبسّط في البلاد أو التّحبّب الى النّاس أو تخويف الخلق أو الشّرف والحسب أو الخدم والحشم أو الاعراض الفانية الدّنيويّة أو غير ذلك من الأغراض الكاسدة فهو مستبدل بآية الله عذابا دائما أليما ، هذا إذا كان القاضي منصوبا من الامام لذلك أو للاعمّ من ذلك ، وان كان غير مأذون في ذلك فليتدبّر في قوله (ع): هذا مجلس لا يجلس فيه الّا نبىّ أو وصىّ أو شقىّ ، وهكذا حال أصحاب الفتيا فانّهم في فتياهم ان لم يكونوا مأذونين أو لم يكن الأمر داعيا لهم صدق عليهم قوله تعالى : (يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ) وقوله تعالى : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) فانّ المراد بالكتاب كتاب النّبوّة وأحكامها المستنبطة من الآيات والاخبار فالفتيا وآيات القرآن واخبار المعصومين (ع) هذا الكتاب الّذى يلوون ألسنتهم به ويكتبونه بأيديهم فانّ الإنسان ما لم يخرج من أغراضه سواء كانت صحيحة أو فاسدة كان ما يجريه على اللّسان أو يكتبه باليد ملويّا بلسانه ومكتوبا بيده لا بلسان مسخّر لأمر الله ولا بيد آلة لله وان كان صورته صورة الكتاب وصورة الأحكام الشّرعية واخبار المعصومين (ع) لم يكن من الكتاب ولا من الشّريعة ولا من المعصومين (ع) فانّ صورة اللّفظ وصورة النّقش حرمتها بنيّة المتكلّم والكاتب ، الا ترى أنّ الفقهاء رضوان الله عليهم أفتوا بأنّ لفظ محمّد (ص) ان كتب مرادا به محمّد بن عبد الله الرّسول الختمىّ (ص) كان محترما ومسّه بدون الطّهارة حراما ، وان كتب مرادا به غيره لم يكن له حرمة مع انّ الصّورة في الكتابتين واحده لا تميز بينهما والفرق ليس الّا بنيّة الكاتب (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ) ويلوونه بألسنتهم مما كتبت أيديهم ونطقت به ألسنتهم وويل لهم ممّا يكسبون ، لكن ما كتب من صورة القرآن ينبغي الاهتمام في احترامه مراعاة لحفظ صورة الكتاب كما ورد التّأكيد في الاهتمام بما جمعه عثمان من صورة الكتاب وأمثال الآيتين المذكورتين في حقّ الشّجرة الملعونة وهي بنو أميّة وأحزابهم واتباعهم الى يوم القيامة الّذين عاندوا الائمّة وشيعتهم فضلا عن الاذن منهم في كتابة الكتاب والفتيا في الأحكام ولهذا كان اهتمام الشّيعة من الصّدر الاوّل بالاذن والاجازة من المعصومين (ع) أو ممّن نصبوه لذلك بحيث ما لم يجازوا لذلك لم يتكلّموا في الأحكام ولم يكتبوا منها شيئا ، والمدرّس في تدريسه والمتعلّم في تعلّمه ان كانا مأمورين بذلك ولم يكن الدّاعى لهما الّا الأمر كانا حافظين لآيات الله ، والّا كانا مستبدلين ، سواء كان غرضهما من المباحات أو من غير المباحات نظير أرباب القضاء والفتيا ، وكذلك الحال في جملة الأعمال والأحوال عبادة كانت أو غيرها فما من أحد سوى المخلصين (بفتح اللّام) الّا وهو مشتر بآيات الله ثمنا قليلا بوجه ، أعاذنا الله وجميع المؤمنين منه ، وأعظم من ذلك الاشتراء كلّه أن تقلّد نبىّ العصر أو ولىّ الأمر ثمّ تعرض عنه للاشتغال بما عرضته النّفس من اهوائها أو تطهّر بيت قلبك حتّى يدخل فيه ويظهر عليك في عالمك الصّغير صاحب الأمر عجّل الله فرجه ثمّ تعرض عنه أو يعرض عنك فانّك حينئذ تكون اشدّ حسرة وندامة من كلّ ذي حسرة