وندامة (وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ) لمّا كان الرّهبة في الأغلب من المحتمل الوقوع والتّقوى من المتيقّن الوقوع والغفلة عن النّعمة وترك الوفاء بالعهد من غير الاعراض والاستهزاء بالمعاهد معه محتمل النّقمة ، واشتراء الثّمن القليل بالآيات الّتى أصلها وأعظمها نبىّ الوقت أو خليفته متيقّن النّقمة لانّ شراء سائر الآيات وان كان محتمل النّقمة لكنّه باعتبار أدائه الى شراء الآية الكبرى متيقّن النّقمة استعمل الرّهبة هناك والتّقوى هاهنا.
(وَلا تَلْبِسُوا) لا تخلطوا (الْحَقَ) الّذى هو الايمان والعقائد الدّينيّة والفروع الشّرعيّة المأخوذة من طريق الظّاهر بالتّعلّم والتّعليم أو من طريق الباطن بالإلهام والوجدان أو الحقّ الّذى هو ولاية علىّ (ع) أو الحقّ الّذى هو أعمّ من الولاية والعقائد الدّينيّة والفروع الشّرعيّة (بِالْباطِلِ) الّذى هو الكفر وضدّ العقائد الدّينيّة وضدّ الفروع الشّرعيّة أو الباطل الّذى هو ولاية غير علىّ (ع) أو الباطل الّذى هو أعمّ ، أو لا تلبسوا الأعمال الإلهيّة بالأغراض النّفسانيّة ، أو لا تلبسوا الحقّ الّذى هو نبوّة محمّد وولاية علىّ (ع) الّذي هو ثابت في كتبكم بتحريفاتكم الباطلة ، أو الحقّ الّذي هو أوصاف محمّد (ص) وعلى (ع) بالباطل الّذي أحدثتموه في كتبكم وهذا هو نزول الآية (وَتَكْتُمُوا الْحَقَ) ولا تكتموا الحقّ أو مع ان تكتموا الحقّ على ان يكون مجزوما بالعطف أو منصوبا بان المقدّر والمراد بالحقّ الثّانى هو الاوّل على قانون تكرار المعرفة أو غيره والمعنى (لا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ) لقصد كتمانه أو لعدم المبالاة به ، أو لا تلبسوا الحقّ الظّاهر بالباطل ليشتبه على من ظهر الحقّ عليه ولا تكتموا الحقّ الغير الظّاهر ليختفى على النّاس (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يعنى وأنتم العلماء أو وأنتم تعلمون الحقّ ولبسه واخفائه (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) قد مضى بيان للصّلوة وإقامتها وللزّكوة وايتائها في اوّل السّورة (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) الرّكوع في اللّغة وفي العرف العّامّ الانحناء وقد يستعمل في التّذلّل مجازا ، وفي عرف المتشرّعة عبارة عن الانحناء المخصوص الواقع في الصّلوة ويستعمل مجازا في الصّلوة وامّا في لسان الشّارع فلو سلّم ثبوت الحقائق الشّرعيّة لم يعلم نقله الى الانحناء في الصّلوة ولو سلّم نقله اليه كثر استعماله في الخضوع والتّذلّل أيضا بحيث كان استعماله في الخضوع غالبا على استعماله في ركوع الصّلوة ولمّا كان الصّلوة المسنونة في شريعتنا عبادات جامعة لعبادات سائر الموجودات تكوينا ولعبادات الملائكة ولعبادات مقامات الإنسان وشؤنه كان ركوع الصّلوة صورة عبادة الملائكة الرّكّع وصورة عبادة الحيوان المنكوس الرّأس الى الأرض ، وصورة عبادة مقامه الّذى به إصلاح معاشه وتدبير دنياه بقوله تعالى : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) بعد ذكر الصّلوة امر بالجماعات أو بالاتّفاق مع المسلمين في عباداتهم وخضوعاتهم أو بموافقة أهل الدّنيا في مرمّة المعاش يعنى لا ينبغي لكم ان يكون اقامة الصّلوة مانعة عن مرمّة معاشكم بل ينبغي ان تكون مقتضية لمرمّة المعاش وإصلاح الدّنيا بحيث تكونوا رجالا لا تلهيكم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصّلوة. وقوله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) ان كان المراد به الأمر بحسن المعاشرة في مرمّة المعاش كان بمنزلة التّعليل لقوله : (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) على المعنى الأخير وامرا لهم بحسن المعاشرة على أبلغ وجه وأوكده ، وان كان المراد الأمر بحسن المؤانسة مع الحقّ وحسن المعاشرة مع الخلق كان بمنزلة التّعليل لمجموع قوله (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) (إلخ) والاستفهام للإنكار التّوبيخىّ والمعنى انّكم مفطورون على ان تأمروا النّاس بالبرّ والإحسان في العبادات وبالإحسان مع الخلق ومكلّفون من الله مطابقا للفطرة بذلك ولا يجوز لكم