وأرخيت عنه عنانك ، وهكذا الحال فيما روى عنه (ع) انّه سئل عن الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر أواجب هو على الامّة جميعا؟ ـ فقال : لا فقيل : ولم؟ ـ قال : انّما هو على القوىّ المطاع العالم بالمعروف من المنكر لا على الضعفة الّذين لا يهتدون سبيلا الى اىّ من اىّ يقول من الحقّ الى الباطل والدّليل على ذلك كتاب الله تعالى قوله (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فهذا خاصّ غير عامّ كما قال الله تعالى : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ،) ولم يقل : على أمّة موسى ، ولا على كلّ قوم وهم يؤمئذ أمم مختلفة ، والامّة واحد فصاعدا كما قال الله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ) يقول : مطيعا لله ؛ الى آخر الحديث ، والاخبار الدّالّة على ذمّ الآمر التّارك والنّاهى الفاعل يشعر بذلك مثل ما نسب الى أمير المؤمنين (ع) وهو قوله : وانهوا عن المنكر وتناهوا عنه فانّما أمرتم بالنّهى بعد التناهي وقوله (ع) لعن الله الآمرين بالمعروف والتّاركين له ، والنّاهين عن المنكر العاملين به ، ومثل الاخبار الدّالّة على ذمّ من وصف عدلا ثمّ خالفه الى غيره وانّه اشدّ حسرة يوم القيامة فعلى هذا فالأخبار الدّالّة على عموم وجوبهما امّا مخصّصة بالعالم المطهرّ أو بالعالم بالمعروف الّذى يأمر به والمنكر الّذى ينهى عنه ، أو نقول التّطهير وحصول العلم من مقدّماتهما فهما واجبان مطلقا لكن حصولهما مشروط بالعلم والتّطهير لا وجوبهما فالأمر بهما يقتضي الأمر بمقدّماتهما اوّلا مع انّ المقدّمات في أنفسها مأمور بها ، أو نقول : وجوبهما على الكلّ انّما هو بعنوان التّعاون على البرّ والتّقوى وترك التّعاون على الإثم والعدوان ، لا بعنوان الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر ، وان كان لفظ الاخبار بعنوان الأمر بالمعروف والنّهى عن المنكر فانّ الألفاظ كثيرا يستعمل بعضها في عنوان البعض الآخر.
(وَاسْتَعِينُوا) فيما ذكر من الوفاء بالعهد الى آخر ما ذكر أو في خصوص تطهير النّفس وأمر الغير بالبرّ أو في جملة الأمور من الانتهاء عن المناهي وامتثال المأمورات وحسن المضىّ في المصائب وحسن المعاشرة مع الخلق وتحصيل الرّاحة في الدّنيا والآخرة (بِالصَّبْرِ) فانّه لا يتيسّر شيء من المذكورات الّا بالصّبر فانّه حبس النّفس عن الهيجان عند الغضب ، وعن الطيش عند الشّهوة ، وعن الجزع عند ورود المكاره ، ومن استعان بالصبّر في أموره لم يخرجه الغضب عن حقّ ولم يدخله الشّهوة في باطل وهانت عليه المصائب فلم يكن أسيرا للّشهوة والغضب ولا جزوعا عند المصيبة فكان في الدّنيا في راحة عن الأسر والجزع ، وفي الآخرة في اطلاق عن السّلاسل وفي نعمة عظيمة في الجنان ، ولم يمنعه الشّهوة والغضب ولا البلايا عن تزوّد معاده ولا عن مرمّة معاشه (وَالصَّلاةِ) الصّلوة حقيقة من ولىّ الأمر ولايته ومن غيره قبول ولاية ولىّ الأمر كما انّ الزّكاة هي التّبرّى من غير ولىّ الأمر ولذا كانت الصّلوة والزّكاة عمادي الدّين ، ولم يكن شريعة من لدن آدم (ع) إلا كانتا أساسيها ، ولمّا كان القالب مسخّرا للقلب وكان اثر الصّفات القلبيّة يظهر على القالب كان للصّلوة والزّكاة في كلّ شريعة صورة على القالب ، ولمّا كان الشّرائع بحسب اختلاف النّبوّات في الكمال وبحسب اختلاف الأزمان واستعداد أهلها مختلفة اختلفت صورة الصّلوة والزّكاة في الشّرائع ، ولمّا كانت شريعة محمّد (ص) باخبارهم أكمل الشّرائع كان صورة الصّلوة والزّكاة في شريعته أكمل الصّور ، وقد فسّر الصّبر في الاخبار بالصيّام لكون الصيّام أكمل افراده وسببا لحصول سائر ، أنواعه ولا غرو في تفسيره بالرّسالة لكونها مانعة للنّفس بانذارها عن إمضاء الغضب والشّهوة وعن الجزع عند المصيبة ، وتفسيره بالرّسول لاتّحاده مع الرّسالة الّتي هي شأن من شؤنه واتّحاد كلّ ذي شأن مع شأنه كما لا غرو في تفسير الصّلوة بعلىّ (ع) لكون الولاية شأنا منه واتّحاده مع شأنه ، وعن الصّادق (ع) ما يمنع أحدكم إذا دخل عليه غم من غموم الدّنيا ان يتوضّأ ثمّ يدخل مسجده فيركع