الذي هدد كيانهم ووجودهم.
فعظم البلاء على المسلمين ، واشتد خوفهم ، كما اشتد جوعهم وعوزهم ، وظهرت علامات الاجهاد عليهم ، وزلزلوا زلزالا شديدا.
ولقد صور القرآن هذه الحالة البائسة التي مروا بها في ذلك الموقف العصيب بقوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ ، وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا ، هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً).
في هذا الظرف الحرج ، وفي هذا الموقف العصيب المتأزم ، تعرض للمسلمين صخرة عظيمة أثناء حفر الخندق ، يعجزون جميعا عن اقتلاعها ، ويشكون أمرهم لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، ويأخذ رسول الله المعول ، ويضربها الضربة الأولى مسميا الله ، فيكسر بعضها ويقول : الله أكبر أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأبصر قصورها الحمر إن شاء الله ، ويضربها الضربة الثانية ، ويكسر بعضها ويقول : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح فارس ، والله إني لأبصر قصر المدائن الأبيض ، ثم يضربها الضربة الثالثة ، ويقول : الله أكبر ، أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصر أبواب صنعاء ... ووعد الأمة بأن ملكها سيصل إلى تلك الأماكن ، ويردد قول الله تعالى الذي نزل في المدينة ، مؤكدا لما نزل في مكة : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) ويردد قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ ، وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً).
إنه لإخبار رهيب ، عن غيب مكتوم ، تقول كل الظروف المحيطة بالمسلمين إنه إخبار من أبعد ما يكون على العقول أن تصدقه وتؤمن به ، أمة خائفة ، محاصرة ، انهكها الجوع ، وأتعبتها الغزوات ، وأحاطت بها الجيوش الجبارة الحاقدة من كل جانب ، تفوقها في العدد والعدد ، وتساندها كل الظروف المادية.
وبدلا من أن يسارع قائدها للاستسلام ، والتخلي عن فكر الهجوم بل