لو كان محمد صلىاللهعليهوسلم هو الذي يقول القرآن من قبل نفسه ، أو من قبل إيحاءات البشر إليه ، كما زعمه المشركون ، لتنبأ كما يتنبأ كل عاقل من البشر ، لتنبأ بأن الغلبة ستكون للفرس ـ ولصدقه في هذه الحالة كل مشرك ولهلل له ـ أو لسكت على الأقل أمام تحديات المشركين ونشوتهم بانتصار إخوانهم الفرس.
ولئن كان يريد أن يتنبأ بانتصار الروم ـ ولو كانت النبوءة بعيدة فاشلة ـ لضمن ماء وجهه ، وحفظ خط الرجعة فيما لو سقطت دولة الرومان نهائيا ، فلم يحدد زمن انتصارهم ببضع سنين ، كما هو صريح في الآية القرآنية ، وكما جرى عليه الرهان مع المشركين على ما سنسمعه في بقية أحداث القصة.
ولكنه حدد لهم الزمان ببضع سنين ، وكأن النصر بيديه ، أو كأنه مشرف عليه وناظر إليه.
نعم .. إنه واثق كل الثقة به ، لأنه يعلم أنه لم يقله ولم يفتره ، وإنما هو كلام الله ، خالق الكون ومسيره ، وقد أمره أن يبلغه للناس ، على ما فيه من الغرابة والبعد ، ليكون آية ناطقة دالة على وجوده ، وصدق نبيه فيما يخبر به من آيات ربه.
ولننظر إلى ما حدث بعد هذا الخبر.
لقد صدم خبر القرآن عن انتصار الروم الغريب على الفرس ـ لقد صدم هذا الخبر المشركين ، وأثار دهشتهم ، ودفعهم لأن يضيفوا إلى سخريتهم السابقة بالمسلمين سخرية جديدة بهذا النبأ العجيب.
إلا أن هذه النبوءة ، في تلك الآية الكريمة ، كانت على العكس من ذلك عند المسلمين ، إذ أعطتهم عزيمة وقوة ، وزادتهم يقينا وثقة ، ولذلك خرجوا يردون على المشركين فخرهم بانتصار إخوانهم الفرس ، ويبلغوا خبر الله في انتصار الروم عليهم في بضع سنين.
فقد ذكرت لنا دواوين السنة أنه حينما نزلت هذه السورة قرأها رسول الله صلىاللهعليهوسلم على المسلمين في صلاة الفجر ، وكان المسلمون يحبون ظهور الروم ، لأنهم