ويخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أصحابه بما أوحي إليه ، ويأمرهم بالانصراف عن حراسته ، ويقول لهم : إن الله كفل له ذلك ... فلم يعد بحاجة إليهم ... كما يخبرنا بذلك أصحاب السير ، وكما تروي كتب الحديث.
إن كثيرا من طغاة هذا الكون عبر التاريخ قد قتلوا وهم بين جنودهم وحراسهم ، رغم اتخاذهم أشد تدابير الحيطة والحذر ... ومحمد صلىاللهعليهوسلم رغم إعلان الحرب عليه من قبل أعدائه ، ورغم تهديداتهم المتكررة له بالقتل ، يأمر حراسه بالانصراف عنه بقوله : «أيها الناس .. انصرفوا .. فقد عصمني الله» (١) ويمشي وحده ، لا يهاب أحدا ، ولا يحسب حسابا لأحد.
أو كان يمكن لمن كان في مثال حال محمد صلىاللهعليهوسلم من الضعف ، والمطاردة ، والتهديدات المتوالية أن يخدع نفسه بمثل هذا الأمر الخطير ...؟!.
إن كل عاقل في الأرض يقول : لا ... إنه من المستحيل أن يخدع أي إنسان نفسه بمثل هذا ، ولا سيما إذا كان في ظرف كظرفه.
ولو كان هذا القرآن من صنع رسول الله لكان مخادعا نفسه قبل أن يكون مخادعا لأصحابه ، في مثل هذه الآية ، ومثل هذا التصرف العجيب.
ولكنه الدليل القاطع ، والبرهان الساطع ، الذي يتلألأ في سماء الحقيقة ، التي لا تدع مجالا للشك في أن هذا القرآن لم يكن من صنع البشر ، وإنما هو كلام خالق الإنسان ، ومالك زمامه وتصرفاته.
ولقد بقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم طيلة حياته على هذه الحالة ، وقد حقق الله وعده ، وحفظه من بأس عدوه.
عند ما هاجر رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن معه أحد من الحرس ، وإنما هي حراسة عين الله التي لا تنام ... وحاول المشركون قتله ، ولكن الله الذي عصمه من الناس صرف الناس عنه ، وهو أمام أعينهم ، وبين ظهرانيهم ، في فراشه ،
__________________
(١) الطبراني عند أبي سعيد ، وانظر : الدر المنثور ٢ / ٢٩٩.