خالق البشر ، والمتصرف بمقاديرهم وأمورهم ، ما أخبر عن شيء إلا وقع كما أخبر عنه ، «ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا».
وليس هذا فقط ، فقد حملت الآية التي نزلت بصيغة الجزم والتأكيد ـ حملت بشارة عظيمة للمسلمين ، وأخبرتهم عن أمر لم يكن بحسابهم ، ألا وهو الفتح القريب الذي سيكون دون تحقق هذه الرؤيا ، وكان الأمر على نحو ما أخبر الله به في هذه الآية الكريمة.
وذلك أنه بعد أن عقد الصلح ، واطمأن الناس وأمنوا ، التقى الناس وتفاوضوا ، وتبادلوا الحديث والمناظرة ، فما كلّم أحد بالإسلام ، إلا ودخل فيه ، فدخل في تلك الفترة الوجيزة من الزمان ، أضعاف ما كان قد دخل فيه قبلها.
فقد كان عدد المسلمين سنة ست من الهجرة يوم الحديبية ألفا وأربعمائة رجل ، وكانوا بعد عام الحديبية سنة ثمان من الهجرة حوالي عشرة آلاف رجل (١).
ولذلك قال ابن شهاب الزهري : ما فتح الله في الإسلام فتحا كان أعظم من صلح الحديبية.
إنها بشائر متتابعة يسوقها القرآن الواحدة تلو الأخرى ، وكلها تحمل الإخبار عن غيب لا يمكن لأحد من البشر أن يتنبأ عنه كما تنبأ القرآن ، ولا سيما أن الظروف كلها بعيدة كل البعد عن مثل تلك النبوءات ، ومع ذلك كانت تتحقق بكل صراحة ووضوح ، لتدل على أن هذا الكلام إنما هو كلام الله ، وليس من صنع البشر.
__________________
(١) القرطبي ١٦ / ٢٩١.