وأما غير المسلمين من أصحاب الملل والنحل فكانوا يعتبرون هذا ضربا من الخرافة عند المسلمين ، وأن الحيوان لا عقل له يفكر به ، ولا نظام لديه يعيش فيه.
وكان العلماء القدماء يعتقدون أن هذه الحيوانات أجسام حية ، تحس وتتألم ، ولكن لا تحمل العقل المفكر ، وأن ما يصدر عنها من حركات وأعمال إنما هي انفعالات غريزية.
واستمر هذا الاعتقاد إلى عصور متأخرة ، حتى أن الفيلسوف ديكارت كان يرى أن الحيوانات كالآلة المعقدة المجردة من الحياة العقلية ، فهو لا يفكر كما يفهم الناس ، بل يعبر في سلوكه عن الغرائز.
وقد اشتهر تعريفه هذا ، وتداوله العلماء والمفكرون ، مسلمين له ، ومؤمنين به.
ولم يعترف للحيوان بعقل وتفكير نسبيين إلا في القرن الثامن عشر ، والتاسع عشر.
فقد اعترف دارون وغيره من علماء الحيوان ، وبعد البحث والمتابعة والاستقراء ، قد اعترفوا جميعا بأن الحيوان له عقل وتفكير ، إلا أنه دون العقل والتفكير الإنساني ، وأنه بهذا التفكير يستطيع أن يعيش في حياة اجتماعية ربما كانت عند بعض الحيوانات مثالية ...
ومن أبدع الأمثلة التي ذكرها العلماء عن الأمم الحيوانية ما ذكروه عن النمل إذ قالوا :
إن النمل من الحيوانات الاجتماعية التي تعيش مجتمعه ، تتعاون في شئون حياتها ، وتتساعد في أمور بقائها ، فهي أمم وشعوب ، كأمم وشعوب النوع البشري ، لها نظام كنظامه ، وحكومة كحكوماته ، وشئون عامة كشئونه ، فهي من أعجب الحيوانات وأدعاها للتأمل.
وقالوا : إن أعمال النمل تدل على أنها متمتعة بدرجة رفيعة من العقل ، وبغرائز عظيمة للاجتماع والتضامن في الحياة.